للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٨٣ - (وَعَنْ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ) .

ــ

[نيل الأوطار]

الَّذِي كَانَ فِي زَمَن النُّبُوَّة لَا الْوَاقِع عَلَى الْمَنَارَات فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ كَمَا سَيَأْتِي.

وَظَاهِره عَدَم وُجُوبِ الْجُمُعَة عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَع النِّدَاءَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَلَد الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة أَوْ خَارِجه. وَقَدْ ادَّعَى فِي الْبَحْر الْإِجْمَاع عَلَى عَدَم اعْتِبَار سَمَاع النِّدَاءِ فِي مَوْضِعهَا وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ تَعْتَبِرهُ الْآيَة، وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ الْآيَة قَدْ قُيِّدَ الْأَمْر بِالسَّعْيِ فِيهَا بِالنِّدَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْد أَئِمَّة الْبَيَان مِنْ أَنَّ الشَّرْط قَيْد لِحُكْمِ الْجَزَاءِ، وَالنِّدَاءُ الْمَذْكُور فِيهَا يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ فِي الْمِصْر الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَمَنْ خَارِجه، نَعَمْ إنْ صَحَّ الْإِجْمَاع كَانَ هُوَ الدَّلِيل عَلَى عَدَم اعْتِبَار سَمَاع النِّدَاءِ لِمَنْ فِي مَوْضِع إقَامَة الْجُمُعَة عِنْدَ مَنْ قَالَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاع.

وَقَدْ حَكَى الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَة عَلَى أَهْل الْمِصْر وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاء. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْإِمَامُ يَحْيَى إنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يُؤْوِيهِ اللَّيْل إلَى أَهْله، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ مَعَ الْإِمَام أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَى أَهْله آخِر النَّهَار وَأَوَّل اللَّيْل.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أَهْلِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا إسْنَاد ضَعِيف إنَّمَا يُرْوَى مِنْ حَدِيث مُعَارِكِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: إنَّهُ غَيْر صَحِيح فَلَا حُجَّة فِيهِ. وَذَهَبَ الْهَادِي وَالنَّاصِرُ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِصَوْتِ الصِّيتِ مِنْ سُور الْبَلَد.

وَقَالَ عَطَاءٌ: تَلْزَم مَنْ عَلَى عَشَرَة أَمْيَال. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ عَلَى سِتَّة أَمْيَال. وَقَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ عَلَى أَرْبَعَة، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: ثَلَاثَة.

وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: فَرْسَخٌ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا قَوْل أَصْحَابِ الرَّأْي.

وَرُوِيَ فِي الْبَحْر عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْبَاقِرِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابه أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجِ الْبَلَد.

وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ حَتَّى قَالَ فِي ضَوْءِ النَّهَار: إنَّهُ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ بِلَا شَكّ وَلَا شُبْهَة. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهَا مِنْ فَرَائِض الْأَعْيَان عَلَى سَامِع النِّدَاءِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا فَرْض كِفَايَة عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَع، بَلْ مَفْهُومه يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَا عَيْنَا وَلَا كِفَايَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>