للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٨٩ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: بِجُوَاثَى: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

ضَعِيف وَمَعَ ضَعْفه فَهُوَ مُحْتَمِل لِلتَّأْوِيلِ، لِأَنَّ ظَاهِره أَنَّ هَذَا الْعَدَد شَرْط لِلْوُجُوبِ لَا شَرْط لِلصِّحَّةِ فَلَا يَلْزَم مِنْ عَدَم وُجُوبهَا عَلَى مَا دُون الْخَمْسِينَ عَدَم صِحَّتهَا مِنْهُمْ.

وَأَمَّا اشْتِرَاط جَمْع كَثِير مِنْ دُون تَقَيُّدٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوص فَمُسْتَنَده أَنَّ الْجُمُعَة شِعَار وَهُوَ لَا يَحْصُل إلَّا بِكَثْرَةٍ تَغِيظ أَعْدَاء الْمُؤْمِنِينَ.

وَفِيهِ أَنَّ كَوْنهَا شِعَارًا لَا يَسْتَلْزِم أَنْ يَنْتَفِي وُجُوبهَا بِانْتِفَاءِ الْعَدَد الَّذِي يَحْصُل بِهِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الطَّلَب لَهَا مِنْ الْعِبَاد كِتَابًا وَسُنَّة مُطْلَق عَلَى اعْتِبَار الشِّعَار فَمَا الدَّلِيل عَلَى اعْتِبَاره، «وَكَتْبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنْ يَنْظُر الْيَوْم الَّذِي يَجْهَر فِيهِ الْيَهُود بِالزَّبُورِ فَيَجْمَع النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، فَإِذَا مَالَ النَّهَار عَنْ شَطْره عِنْدَ الزَّوَال مِنْ يَوْم الْجُمُعَة تَقَرَّبُوا إلَى اللَّه تَعَالَى بِرَكْعَتَيْنِ» ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، غَايَة مَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ أَصْل الْمَشْرُوعِيَّة، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مُعْتَبَر الْوُجُوبِ فَلَا يَصْلُح لِلتَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى اعْتِبَار عَدَد يَحْصُل بِهِ الشِّعَار وَإِلَّا لَزِمَ قَصْر مَشْرُوعِيَّة الْجُمُعَة عَلَى بَلَد تُشَارِك الْمُسْلِمِينَ فِي سُكُونه الْيَهُودُ وَأَنَّهُ بَاطِل عَلَى أَنَّهُ يُعَارِض حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُور مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِي بَيَان السَّبَبِ فِي افْتِرَاض الْجُمُعَة وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ اجْتِمَاعهمْ لِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى وَشُكْره، وَهُوَ حَاصِل مِنْ الْقَلِيل وَالْكَثِير بَلْ مِنْ الْوَاحِد لَوْلَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْجُمُعَة يُعْتَبَر فِيهَا الِاجْتِمَاع وَهُوَ لَا يَحْصُل بِوَاحِدٍ.

وَأَمَّا الِاثْنَانِ فَبِانْضِمَامِ أَحَدهمَا إلَى الْآخَر يَحْصُل الِاجْتِمَاع وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِع اسْم الْجَمَاعَة عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقهمَا جَمَاعَة، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَاب الْجَمَاعَة، وَقَدْ انْعَقَدَتْ سَائِر الصَّلَوَات بِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَالْجُمُعَة صَلَاة فَلَا تَخْتَصّ بِحُكْمٍ يُخَالِف غَيْرهَا إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيل عَلَى اعْتِبَار عَدَد فِيهَا زَائِد عَلَى الْمُعْتَبَر فِي غَيْرهَا. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ لَا يَثْبُت فِي عَدَد الْجُمُعَة حَدِيثٌ.

وَكَذَلِكَ قَالَ السُّيُوطِيّ: لَمْ يَثْبُت فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيث تَعْيِين عَدَد مَخْصُوص.

قَوْلُهُ: (أَوَّلُ جُمُعَة جُمِّعَتْ) زَادَ أَبُو دَاوُد: " فِي الْإِسْلَامِ " قَوْلُهُ: (فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقَعَ فِي رِوَايَة: " بِمَكَّةَ " قَالَ فِي الْفَتْح: وَهُوَ خَطَأٌ بِلَا مِرْيَة قَوْلُهُ: (بِجُوَاثَى) بِضَمِّ الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو وَقَدْ تُهْمَز ثُمَّ مُثَلَّثَة خَفِيفَة قَوْلُهُ: (مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ) فِيهِ جَوَاز إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى، لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّ عَبْدَ الْقَيْسِ لَمْ يُجَمِّعُوا إلَّا بِأَمْرِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَة الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَم الِاسْتِبْدَاد بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَن نُزُول الْوَحْي،

<<  <  ج: ص:  >  >>