للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَيَدَّهِن) الْمُرَاد بِهِ إزَالَة شَعَث الشَّعْر بِهِ وَفِيهِ إشَارَة إلَى التَّزَيُّن يَوْم الْجُمُعَة قَوْلُهُ: (أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيب بَيْته) أَيْ إنْ لَمْ يَجِد دُهْنًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَوْ بِمَعْنَى الْوَاو، وَإِضَافَته إلَى الْبَيْت تُؤْذِن بِأَنَّ السُّنَّة أَنْ يَتَّخِذَ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ طِيبًا وَيَجْعَلَ اسْتِعْمَالَهُ لَهُ عَادَةً فَيَدَّخِرَهُ فِي الْبَيْتِ، وَهَذَا مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبَيْتِ حَقِيقَته لَكِنْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد " أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ " وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَّخِذ لِنَفْسِهِ طِيبًا فَلْيَسْتَعْمِلْ مِنْ طِيبِ امْرَأَته.

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ " وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَة " وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَاد بِالْبَيْتِ فِي الْحَدِيثِ امْرَأَة الرَّجُل قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَرُوحُ إلَى الْمَسْجِد) فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ " ثُمَّ يَخْرُجُ " وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَدَ " ثُمَّ يَمْشِي وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ " زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ " إلَى الْمَسْجِد ". قَوْلُهُ: (وَلَا يُفَرِّق بَيْن اثْنَيْنِ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ " ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ " وَلَمْ يَتَخَطَّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ " وَفِيهِ كَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَأَذِيَّة الْمُصَلِّينَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَكْرَه التَّخَطِّي إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِد السَّبِيل إلَى الْمُصَلَّى إلَّا بِذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يَدْخُل فِيهِ الْإِمَام، وَمَنْ يُرِيدُ وَصْل الصَّفّ الْمُنْقَطِع إنْ أَبَى السَّابِق مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ يُرِيد الرُّجُوع إلَى مَوْضِعه الَّذِي قَامَ مِنْهُ لِضَرُورَةٍ. وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّة مَنْ يَكُون مُعَظَّمًا لِدِينِهِ وَعِلْمه إذَا أَلِفَ مَكَانًا يَجْلِس فِيهِ، وَهُوَ تَخْصِيص بِدُونِ مُخَصِّص.

وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» إذَا كَانَ الْمَقْصُود مِنْ التَّخَطِّي هُوَ الْوُصُول إلَى الصَّفّ الَّذِي يَلِي الْإِمَام فِي حَقِّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ. وَكَانَ مَالِكٌ يَقُول: لَا يُكْرَه التَّخَطِّي إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر وَلَا دَلِيل عَلَى ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَى التَّخَطِّي فِي بَابِ: الرَّجُل أَحَقّ بِمَجْلِسِهِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ) فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ " ثُمَّ يَرْكَع مَا قُضِيَ لَهُ ".

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُنْصِتُ لِلْإِمَامِ إذَا تَكَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ حَالَ تَكَلُّمِ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُل لَهُ مِنْ الْأَجْر مَا فِي الْحَدِيثِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (غُفِرَ لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَة إلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى) فِي رِوَايَة " مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَة الْأُخْرَى " وَفِي رِوَايَة " ذُنُوبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الْجُمُعَة وَالْأُخْرَى " وَالْمُرَاد بِالْأُخْرَى: الَّتِي مَضَتْ، بَيَّنَهُ اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ فِي رِوَايَته عِنْد ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَلَفْظه " غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَة الَّتِي قَبْلهَا " وَلِابْنِ حِبَّانَ " غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَزِيَادَة ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا " وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَا لَمْ يَغْشَ الْكَبَائِرَ " وَنَحْو ذَلِكَ لِمُسْلِمٍ.

وَظَاهِر الْحَدِيثِ أَنَّ تَكْفِير الذُّنُوبِ مِنْ الْجُمُعَة إلَى الْجُمُعَة مَشْرُوط بِوُجُودِ جَمِيع مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْغُسْل وَالتَّنْظِيف وَالتَّطَيُّبِ أَوْ الدُّهْن وَتَرْك التَّفْرِقَة وَالتَّخَطِّي وَالْأَذِيَّة وَالتَّنَفُّل وَالْإِنْصَات، وَكَذَلِكَ لُبْس أَحْسَن الثِّيَابِ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات،

<<  <  ج: ص:  >  >>