للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٩٩ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَر إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد) .

ــ

[نيل الأوطار]

مِنْ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَرَجَّحَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْحَاصِل أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّم ظَاهِره يُخَالِف الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَة فِي كَوْنهَا بَعَدَ الْعَصْر، لِأَنَّ الصَّلَاة بَعَدَ الْعَصْر مَنْهِيّ عَنْهَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ: " لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي " وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ بِأَنَّ مُنْتَظِر الصَّلَاة فِي صَلَاة، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي، وَلَكِنَّهُ يُشْكِل عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: " قَائِم " وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي عِيَاض بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد الْقِيَام الْحَقِيقِيّ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِهِ الِاهْتِمَام بِالْأَمْرِ، كَقَوْلِهِمْ: فُلَان قَامَ فِي الْأَمْر الْفُلَانِيّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: ٧٥] وَلَيْسَ بَيْن حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْآتِي تَعَارُض وَلَا اخْتِلَاف، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف بَيْن حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَبَيْن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَوْنهَا بَعَدَ الْعَصْر أَوْ آخِر سَاعَة مِنْ الْيَوْم وَسَيَأْتِي. فَأَمَّا الْجَمْع فَإِنَّمَا يُمْكِن بِأَنْ يُصَارَ إلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا تَنْتَقِل فَيُحْمَل حَدِيثُ أَبِي مُوسَى عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ فِيهِ عَنْ جُمُعَة خَاصَّة، وَتُحْمَل الْأَحَادِيث الْأُخَر عَلَى جُمُعَةٍ أُخْرَى.

فَإِنْ قِيلَ بِتَنَقُّلِهَا فَذَاكَ، وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهَا فِي وَقْت وَاحِد، لَا تَنْتَقِل، فَيُصَار حِينَئِذٍ إلَى التَّرْجِيحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَة فِي كَوْنهَا بَعَدَ الْعَصْر أَرْجَح لِكَثْرَتِهَا وَاتِّصَالهَا بِالسَّمَاعِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِف فِي رَفْعهَا وَالِاعْتِضَاد بِكَوْنِهِ قَوْل أَكْثَر الصَّحَابَةِ، فَفِيهَا أَرْبَعَة مُرَجِّحَات.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مُرَجِّحٌ وَاحِد وَهُوَ كَوْنه فِي أَحَد الصَّحِيحَيْنِ دُون بَقِيَّة الْأَحَادِيثِ، وَلَكِنْ عَارَضَ كَوْنه فِي أَحَد الصَّحِيحَيْنِ أَمْرَانِ وَسَيَأْتِي ذِكْرهمَا فِي شَرْحه.

وَسَلَكَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مَسْلَكًا آخَر، وَاخْتَارَ أَنَّ سَاعَة الْإِجَابَة مُنْحَصِرَة فِي أَحَد الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَنَّ أَحَدهمَا لَا يُعَارِض الْآخِر لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى أَحَدهمَا فِي وَقْت وَعَلَى الْآخَر فِي وَقْت آخَر، وَهَذَا كَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ يَنْبَغِي الِاجْتِهَاد فِي الدُّعَاءِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَسَبَقَ إلَى تَجْوِيز ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إذَا عُلِمَ أَنَّ فَائِدَة الْإِبْهَام لِهَذِهِ السَّاعَة وَلِلَيْلَةِ الْقَدْر بَعْثَ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِكْثَار مِنْ الصَّلَاة وَالدُّعَاءِ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيَان لَهَا لَاتَّكَلَ النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَتَرَكُوا مَا عَدَاهَا، فَالْعَجَب بَعَدَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَتَّكِل فِي طَلَب تَحْدِيدهَا. وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر: يَحْسُن جَمْع الْأَقْوَال فَتَكُون سَاعَة الْإِجَابَة وَاحِدَة مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا، فَيُصَادِفهَا مَنْ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاء فِي جَمِيعهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>