للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

بِجَامِعِ عَدَم الِانْتِفَاعِ.

وَظَاهِر قَوْلِهِ " مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَة "، الْمَنْعُ مِنْ جَمِيع أَنْوَاعِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَغَيْرِهِ. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُبَيٍّ لِإِطْلَاقِ الْكَلَامِ فِيهِمَا. وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ قَوْلَهُ: " أَنْصِتْ " مَعَ كَوْنِهِ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ لَغْوًا، فَغَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ أَوْلَى بِأَنْ يُسَمَّى لَغْوًا. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ بَعَدَ قَوْلِهِ: " فَقَدْ لَغَوْتَ عَلَيْكَ بِنَفْسِك " وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَةِ السُّؤَالِ عَنْ نُزُولِ الْآيَةِ لَغْوًا.

وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ كُلِّ كَلَامٍ حَالَ الْخُطْبَةِ الْجُمْهُورُ وَلَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِالسَّامِعِ لِلْخُطْبَةِ، وَالْأَكْثَرُ لَمْ يُقَيِّدُوا. قَالُوا: وَإِذَا أَرَادَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَلْيَجْعَلْهُ بِالْإِشَارَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَغْرَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا إلَّا عَنْ قَلِيلٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ. وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ لِأَحْمَدَ.

وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَيْضًا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ، وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَلِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِنْصَاتُ، وَبَيْن مَنْ زَادَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجِبُ. وَقَدْ حَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاسِمِ وَابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُرْتَضَى وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ الْخَفِيفُ حَالَ الْخُطْبَةِ.

، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِتَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ السَّاعَةِ، وَلِمَنْ سَأَلَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ عُمُومُ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ مُخَصَّصًا بِالسُّؤَالِ. وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي الِاتِّفَاق عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ يَجُوزُ فِي الْخُطْبَةِ كَتَحْذِيرِ الضَّرِير مِنْ الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ. وَخَصَّصَ بَعْضُهُمْ رَدَّ السَّلَامِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ، فَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ تَحَكُّمٌ، وَمِثْلُهُ تَشْمِيت الْعَاطِسِ.

وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ التَّرْخِيصَ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. وَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ خِلَافَ ذَلِكَ. وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بِالْجَوَازِ فَقَالَ: وَلَوْ عَطَسَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَشَمَّتَهُ رَجُلُ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعهُ، لِأَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةٌ، وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَرَأَيْتُ أَنْ يَرُدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ فَرْضٌ، هَذَا لَفْظُهُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَة مَا إذَا انْتَهَى الْخَطِيبُ إلَى كَلَامٍ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ مِثْلِ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا، بَلْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ إذَا جَاوَزَ، وَإِلَّا فَالدُّعَاءُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مَطْلُوبٌ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَمَحَلُّ التَّرْكِ إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ، وَإِلَّا فَيُبَاحُ لِلْخَطِيبِ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (إلَّا مَا لَغِيت) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةٌ فِي لَغَوْتَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>