للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣٠٣ - (وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ الْبَلْدَةُ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ

ــ

[نيل الأوطار]

عَلَى تَعْظِيمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَلَى تَعْظِيمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَلَى تَعْظِيمِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ. وَقَدْ جَزَمَ الصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ بِتَسْمِيَتِهَا خُطْبَةً كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَلْتَفِتْ إلَى تَأْوِيلِ غَيْرِهِمْ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إمْكَانِ تَعْلِيمِ مَا ذَكَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ يَرَى مَشْرُوعِيَّةَ الْخُطْبَةِ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ جَمِيعَ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَعْمَالٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ، شُرِعَ تَجْدِيدُ التَّعْلِيمِ بِحَسَبِ تَجَدُّدِ الْأَسْبَابِ.

وَقَدْ بَيَّنَ الزُّهْرِيُّ - وَهُوَ عَالَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ - أَنَّ الْخُطْبَةَ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ نُقِلَتْ مِنْ خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْأُمَرَاءِ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِمَا سَبَقَ، وَبَانَ بِهِ أَنَّ السُّنَّةَ الْخُطْبَةُ يَوْمَ النَّحْرِ لَا ثَانِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، فَيَرُدُّهُ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ» ، وَذَكَرَ فِيهِ السُّؤَالَ عَنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ.

وَثَبَتَ أَيْضًا فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " فَكَأَنَّهُ وَعَظَهُمْ وَأَحَالَ فِي تَعْلِيمِهِمْ عَلَى تَلَقِّي ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ.

قَوْلُهُ: (وَنَحْنُ بِمِنًى) أَيَّامُ مِنًى أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ مُصَرِّحَةٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ بِحَصَى الْخَذْفِ) فِيهِ اسْتِعَارَةُ الْقَوْلِ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي السُّنَّةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَضَعَ إحْدَى السَّبَّابَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ حَصَى الْخَذْفِ، وَالْخَذْفُ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ الْحَاءِ: حَذَفْتُهُ بِالْعَصَا: أَيْ رَمَيْتُهُ بِهَا، وَفِي فَصْلِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْخَذْفُ بِالْحَصَى: الرَّمْيُ بِهِ بِالْأَصَابِعِ.

وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مِقْدَارِ حَصَى الْحَذْفِ فِي بَابِ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ،؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَيُكَرِّرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعَهَا هُنَالِكَ. وَسَنَشْرَحُ هُنَالِكَ مَا لَمْ نَتَعَرَّضْ لِشَرْحِهِ هَهُنَا مِنْ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>