للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣٥١ - (وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ) »

ــ

[نيل الأوطار]

١٣٥١ - (وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ) » . قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ) ظَاهِرُهُ نَفْيُ الرَّفْعِ فِي كُلِّ دُعَاءٍ غَيْرَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ مُعَارِضٌ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَفْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ بِتَرْجَمَةٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ وَسَاقَ فِيهَا عِدَّةَ أَحَادِيثَ، وَصَنَّفَ الْمُنْذِرِيُّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ قَالَ: وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَالَ: وَذَكَرْتهَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ انْتَهَى.

فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا أَوْلَى، وَحُمِلَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى نَفْيِ رُؤْيَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ: إمَّا عَلَى الرَّفْعِ الْبَلِيغِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ " وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ.

إنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا مَدُّ الْيَدَيْنِ وَبَسْطُهُمَا عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرَفَعَهُمَا إلَى جِهَةِ وَجْهِهِ حَتَّى حَاذَتَاهُ وَحِينَئِذٍ يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ وَإِمَّا عَلَى صِفَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ " كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ ". وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْبَقَاءُ عَلَى النَّفْيِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَنَسٍ فَلَا تُرْفَعُ الْيَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الرَّفْعُ، وَيُعْمَلُ فِيمَا سِوَاهَا بِمُقْتَضَى النَّفْيِ وَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ أَرْجَحَ مِنْ النَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إمَّا لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، أَوْ لِأَنَّهَا مُثْبَتَةٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ النَّفْيِ.

وَغَايَةُ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ نَفَى الرَّفْعَ فِيمَا يَعْلَمُهُ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ قَوْلُهُ: (فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: السُّنَّةُ فِي كُلِّ دُعَاءٍ لِرَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ جَاعِلًا ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا دَعَا بِحُصُولِ شَيْءٍ أَوْ تَحْصِيلِهِ أَنْ يَجْعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَاكِيًا لِذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِظَهْرِ الْكَفَّيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ غَيْرِهِ التَّفَاؤُلُ بِتَقَلُّبِ الْحَالِ كَمَا قِيلَ فِي تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَأَلَ جَعَلَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَيْهِ، وَإِذَا اسْتَعَاذَ جَعَلَ ظَاهِرَهُمَا إلَيْهِ» وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>