. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءَهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ: فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا يَخْطُبُ. فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا؛ قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ؛ قَالَ: فَانْقَلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا) فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُبْهَمَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ. وَفِي الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقِ مُرْسَلَةٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى وَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (يَوْمَ جُمُعَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ وُقُوعُ الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ جُمُعَةٍ انْدَرَجَتْ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاتِهَا فِي الْجُمُعَةِ.
وَقَدْ بَوَّبَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ قَوْلُهُ: (مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْو دَارِ الْقَضَاءِ) فَسَّرَ بَعْضُهُمْ دَارَ الْقَضَاءِ بِأَنَّهَا دَارُ الْإِمَامَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسُمِّيَتْ دَارَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهَا: دَارُ قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ، ثُمَّ طَالَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهَا: دَارُ الْقَضَاءِ، ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا غَيْرُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ كَانَ مُسْلِمًا، وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَبُو سُفْيَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ سُؤَالِهِ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَسْلَمَ قَوْلُهُ: (هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ) الْمُرَادُ بِالْأَمْوَالِ هُنَا: الْمَاشِيَةُ لَا الصَّامِتُ. قَوْلُهُ: (وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ) الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِبِلَ ضَعُفَتْ لِقِلَّةِ الْقُوتِ عَنْ السَّفَرِ لِكَوْنِهَا لَا تَجِدُ فِي طَرِيقِهَا مِنْ الْكَلَإِ مَا يُقِيمُ أَوَدَهَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفَادُ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ قِلَّتِهِ فَلَا يَجِدُونَ مَا يَجْلِبُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ إلَى الْأَسْوَاقِ.
قَوْلُهُ: (فَادْعُ اللَّهَ يُغِثْنَا) هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِالْجَزْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " يُغِيثُنَا " بِالرَّفْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " أَنْ يُغِيثَنَا " فَالْجَزْمُ ظَاهِرٌ وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ: أَيْ فَهُوَ يُغِيثُنَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْغَوْثِ أَوْ مِنْ الْغَيْثِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غِثْنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَوْثِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: غَاثَ اللَّهُ عِبَادَهُ غَيْثًا وَغِيَاثًا: سَقَاهُمْ الْمَطَرَ، وَأَغَاثَهُمْ: أَجَابَ دُعَاءَهُمْ، وَيُقَالُ: غَاثَ وَأَغَاثَ بِمَعْنَى قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْأَصْلُ غَاثَهُ اللَّهُ يَغُوثُهُ غَوْثًا وَاسْتَعْمَلَ أَغَاثَهُ، وَمَنْ فَتْحَ أَوَّلَهُ فَمِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute