للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْغَيْثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَغِثْنَا أَعْطِنَا غَوْثًا وَغَيْثًا. قَوْلُهُ: (فَرَفَعَ يَدَيْهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدِ عِنْدَ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ سَحَابٍ) أَيْ مُجْتَمِعٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا قَزَعَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ: أَيْ سَحَابٌ مُتَفَرِّقٌ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْقَزَعُ: قِطَعٌ مِنْ السَّحَابِ رِقَاقٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ فِي الْخَرِيفِ. قَوْلُهُ: (وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ) أَيْ يَحْجُبُنَا مِنْ رُؤْيَتِهِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ السَّحَابَ كَانَ مَفْقُودًا لَا مُسْتَتِرًا بِبَيْتٍ وَلَا غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَطَلَعَتْ) أَيْ ظَهَرَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ. قَوْلُهُ: (مِثْلُ التُّرْسِ) أَيْ مُسْتَدِيرَةٌ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ وَفِي رِوَايَةٍ " فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ رِجْلِ الطَّائِرِ ". قَوْلُهُ: (فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا اسْتَمَرَّتْ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى انْتَهَتْ إلَى الْأُفُقِ وَانْبَسَطَتْ حِينَئِذٍ، وَكَأَنَّ فَائِدَتَهُ تَعْمِيمُ الْأَرْضِ بِالْمَطَرِ قَوْلُهُ: (مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا) هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ اسْتِمْرَارِ الْغَيْمِ الْمَاطِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَسْتَمِرُّ الْمَطَرُ وَالشَّمْسُ بَادِيَةٌ، وَقَدْ تَحْتَجِبُ الشَّمْسُ بِغَيْرِ مَطَرٍ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى " وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ سَبْتًا: أَيْ مِنْ السَّبْتِ إلَى السَّبْتِ.

قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ وَالطَّبَرِيُّ قَالَ: وَفِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأً وَلَا الثَّانِي مُنْتَهًى، وَإِنَّمَا عَبَّرَ أَنَسٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ كَانُوا جَاوَرُوا الْيَهُودَ فَأَخَذُوا بِكَثِيرٍ مِنْ اصْطِلَاحِهِمْ، وَإِنَّمَا سَمُّوا الْأُسْبُوعَ سَبْتًا؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ الْيَهُودِ كَمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ وَفِي تَعْبِيرِهِ عَنْ الْأُسْبُوعِ بِالسَّبْتِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَالْعِلَاقَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَالْكُلِّيَّةُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَرَادَ قِطْعَةً مِنْ الزَّمَانِ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ " سِتًّا " أَيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ " فَمُطِرْنَا مِنْ جُمُعَةٍ إلَى جُمُعَةٍ " قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا تَكَرَّرَتْ دَلَّتْ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَقَدْ قَالَ شَرِيكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: " سَأَلْتُ أَنَسًا هُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي ".

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالتَّغَايُرِ. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ " فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ: " فَأَتَى الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ " وَمِثْلُهَا لِأَبِي عَوَانَةَ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِكَوْنِهِ وَاحِدًا، فَلَعَلَّ أَنَسًا تَذَكَّرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ: " فَقَالَ الرَّجُلُ " يَعْنِي الَّذِي سَأَلَهُ يَسْتَسْقِي قَوْلُهُ: (هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ انْقَطَعَ الْمَرْعَى بِسَبَبِهَا فَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي مِنْ عَدَمِ الْمَرْعَى أَوْ لِعَدَمِ مَا يُمَكِّنُهَا مِنْ الْمَطَرِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ " مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ ".

وَأَمَّا انْقِطَاعُ السُّبُلِ فَلِتَعَذُّرِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>