للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٩١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ)

١٥٩٢ - (وَعَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

١٥٩٣ - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ «عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِنِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: خُذْهُ إذَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (كَدٌّ) هَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " كَدْحٌ " وَهِيَ آثَارُ الْخُمُوشِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ السُّلْطَانِ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ الْخُمْسِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ

قَوْلُهُ: (أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ عِنْدَهَا مِنْ السُّؤَالِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. . . إلَخْ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوْ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَمْ يُفَضِّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إذَا لَمْ يُعْطَ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " خَيْرٌ " فَلَيْسَتْ بِمَعْنَى أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، إذْ لَا خَيْرَ فِي السُّؤَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ مَنْ هَذَا حَالُهُ حَرَامٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ فِيهِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ السَّائِلِ وَتَسْمِيَةِ الَّذِي يُعْطَاهُ خَيْرٌ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرٌّ قَوْلُهُ: (تَكَثُّرًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ التَّكَثُّرِ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ السُّؤَالُ لِقَصْدِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا. . . إلَخْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>