للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» )

١٥٩٦ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَقَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (أَوْسَاخُ النَّاسِ) هَذَا بَيَانٌ لَعِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَالْإِرْشَادِ إلَى تَنَزُّهِ الْآلِ عَنْ أَكْلِ الْأَوْسَاخِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَوْسَاخًا لِأَنَّهَا مُطَهِّرَةٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَنُفُوسِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] ، فَذَلِكَ مِنْ التَّشْبِيهِ، وَفِيهِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَى الْآلِ إنَّمَا هُوَ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا تَطْهِيرُ الْمَالِ. وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَنَقَلَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهَا تَحِلُّ، وَتَحِلُّ لِلْآلِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ أَخْذُهُمْ لَهَا مِنْ بَابِ الْعُمَالَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّاصِرُ: الْعُمَالَةُ مُعَاوَضَةٌ بِمَنْفَعَةٍ، وَالْمَنَافِعُ مَالٌ، فَهِيَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، وَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُصَادَمَتِهِ لَلنَّصِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَهَذَا الْحَدُّ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا لَفْظُهُ: وَهُوَ يَمْنَعُ جَعْلَ الْعَامِلِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَمْنَعُ دُخُولَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي سَهْمِ الْعَامِلِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهِمْ عُمَّالًا عَلَيْهَا وَيُعْطَوْنَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَنِي الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

قَوْلُهُ: (طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ) هَذِهِ الْأَوْصَافِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي تَحْصِيلِ أُجْرَةِ الصَّدَقَةِ لِلْخَازِنِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُ الْخِيَانَةِ، فَكَيْفَ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ طَيِّبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا يُؤْجَرُ. قَوْلُهُ: (أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ نَرْوِهِ إلَّا بِالتَّثْنِيَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَازِنَ بِمَا فَعَلَ مُتَصَدِّقٌ وَصَاحِبُ الْمَالِ مُتَصَدِّقٌ آخَرُ فَهُمَا مُتَصَدِّقَانِ

قَالَ: وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْجَمْعِ فَتُكْسَرُ الْقَافُ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَصَدِّقٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي الطَّاعَةِ تُوجِبُ الْمُشَارَكَةَ فِي الْأَجْرِ، وَمَعْنَى الْمُشَارَكَةِ أَنَّ لَهُ أَجْرًا كَمَا أَنَّ لِصَاحِبِهِ أَجْرًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُزَاحِمُهُ فِي أَجْرِهِ، بَلْ الْمُشَارَكَةُ فِي الطَّاعَةِ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ، فَيَكُونُ لِهَذَا ثَوَابٌ وَلِهَذَا ثَوَابٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>