. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَمُعَتِّبٌ ابْنَا أَبِي لَهَبٍ عَامَ الْفَتْحِ وَسُرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْلَامِهِمَا وَدَعَا لَهُمَا، وَشَهِدَا مَعَهُ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، وَلَهُمَا عَقِبٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّسَبِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ ابْنُ رَسْلَانَ. وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْجَوَازَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ: تَجُوزُ لَهُمْ إذَا حُرِمُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى، حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَحَكَى فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَحِلُّ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْمُرْتَضَى وَأَبِي الْعَبَّاسِ وَالْإِمَامِيَّةِ. وَحَكَاهُ فِي الشِّفَاءِ عَنْ ابْنَيْ الْهَادِي وَالْقَاسِمِ الْعَيَّانِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ: الْجَوَازُ، الْمَنْعُ، وَجَوَازُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، عَكْسُهُ. وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى الْعُمُومِ تَرُدُّ عَلَى الْجَمِيعِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ تَوَاتُرًا مَعْنَوِيًّا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: ٢٣] ، وَقَوْلُهُ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: ٥٧] ، وَلَوْ أَحَلَّهَا لِآلِهِ أَوْ شَكَّ أَنْ يَطْعَنُوا فِيهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] ، وَثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِحِلِّهَا لَلْهَاشِمِيِّ مِنْ الْهَاشِمِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ كُلِّهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ «أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ حَرَّمْتَ عَلَيْنَا صَدَقَاتِ النَّاسِ، هَلْ تَحِلُّ لَنَا صَدَقَاتُ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ؟ قَالَ: نَعَمْ» فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَتَّهِمُ بِهِ بَعْضَ رُوَاتِهِ، وَقَدْ أَطَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَالِحٍ لِتَخْصِيصِ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ الصَّحِيحَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَلَامَةِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ مَا لَفْظُهُ: وَأَحْسَبُ لَهُ مُتَابِعًا لِشُهْرَةِ الْقَوْلِ بِهِ. قَالَ: وَالْقَوْلُ بِهِ قَوْلُ جَمَاعَةٍ وَافِرَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِتْرَةِ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ، بَلْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إجْمَاعُهُمْ، وَلَعَلَّ تَوَارُثَ هَذَا بَيْنَهُمْ يُقَوِّي الْحَدِيثَ انْتَهَى. فَكَلَامٌ لَيْسَ عَلَى قَانُونِ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحُسْبَانِ أَنَّ لَهُ مُتَابِعًا، وَذَهَابُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ إلَيْهِ لَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَبَاطِلٌ بَاطِلٌ، وَمُطَوَّلَاتُ مُؤَلَّفَاتِهِمْ وَمُخْتَصَرَاتِهَا شَاهِدَةٌ لِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَمِيرِ فِي الْمِنْحَةِ: إنَّهَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ وُجْدَانِ سَنَدِهِ، وَمَا عَضَّدَهُ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَقَدْ عَرَفْتَ بُطْلَانَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ إجْمَاعٌ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَالْقَاسِمُ وَالْهَادِي وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِهِمْ بَلْ جُمْهُورُهُمْ خَارِجُونَ عَنْهُ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ وُجْدَانِ السَّنَدِ لِلْحَدِيثِ بِدُونِ كَشْفٍ عَنْهُ فَلَيْسَ مِمَّا يُوجِبُ سُكُونَ النَّفْسِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيمَ الزَّكَاةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مَعْلُومٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي هَاشِمِيًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute