وَقَالَ هَذَا: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا أَدَّتْ بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْتُ هَذِهِ فَوَجَدْتُهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ)
ــ
[نيل الأوطار]
وَقَالَ هَذَا: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا أَدَّتْ بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْتُ هَذِهِ فَوَجَدْتُهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) هَذِهِ الْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ أَخْرَجَهَا أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ» وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ» وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الصَّاعِ وَقَدْرِهِ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ، وَتَدْفَعُهُ هَذِهِ الْقِصَّةُ الْمُسْنَدَةُ إلَى صِيعَانِ الصَّحَابَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَتَرَكَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْلُهُ: (أَنَا حَزَرْتُهُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا زَايٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ سَاكِنَةٌ: أَيْ قَدَّرْتُهُ قَوْلُهُ: (آصُعٌ) جَمْعُ صَاعٍ
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ إجْمَاعًا
(فَائِدَةٌ) قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِلْكُهُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ، فَقَالَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ أَنْ يَعْتَبِرَ أَنْ يَمْلِكَ قُوتَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَاضِلًا عَمَّا اسْتَثْنَى لِلْفَقِيرِ، وَغَيْرُ الْفِطْرَةِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي صَغِيرٍ عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةٍ بِزِيَادَةِ " غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ " بَعْدَ " حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ". وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْغِنَى الشَّرْعِيِّ فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ مِلْكِ قُوتِ عَشْرٍ. وَقَالَ زَيْدُ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ غَنِيًّا غِنًى شَرْعِيًّا
وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الصَّدَقَةُ مَا كَانَتْ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَبِالْقِيَاسِ عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَمُعَارَضٌ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ» .
وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ سِرٌّ إلَى فَقِيرٍ وَجَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ» وَفَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُ حَالَ قَلِيلِ الْمَالِ. وَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَخَذَ مِنْ عَرْضِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا، وَرَجُلٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، فَهَذَا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute