. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مَالِهِ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، إذْ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَبْدَانِ، وَالزَّكَاةِ بِالْأَمْوَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجُ الْفِطْرَةِ مَالِكًا لِقُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي ذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ بِمَنْ يَمْلِكُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ أُطْلِقَتْ وَلَمْ تَخُصَّ غَنِيًّا وَلَا فَقِيرًا، وَلَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ الَّذِي يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجُ الْفِطْرَةِ مَالِكًا لَهُ، لَا سِيَّمَا الْعِلَّةُ الَّتِي شُرِعَتْ لَهَا الْفِطْرَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَهِيَ التَّطْهِرَةُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَاعْتِبَارُ كَوْنِهِ وَاجِدًا لِقُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرَعِ الْفِطْرَةِ إغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ وَقَالَ: أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ " أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ " وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَقِّ الْمُخْرِجِ ذَلِكَ لَكَانَ مِمَّنْ أَمَرَنَا بِإِغْنَائِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا مِنْ الْمَأْمُورِينَ بِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ وَإِغْنَاءِ غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمهُمْ إيجَابُ الْفِطْرَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا دُونَ قُوتِ الْيَوْمِ وَلَا قَائِلَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute