١٦٣٨ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَزَادَ النَّسَائِيّ: ثُمَّ قَالَ: «إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا قَالَ: «يَا
ــ
[نيل الأوطار]
وَالْكَفَّارَاتِ، وَأَنَّ وَقْتَ النِّيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى بَقِيَّةٍ مِنْ نَهَارِ الْيَوْمِ الَّذِي صَامَهُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّبْيِيتُ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَالرَّبِيعِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ إذْ فُرِضَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ: أَلَا كُلُّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ حَفْصَةَ مُتَأَخِّرٌ فَهُوَ نَاسِخُ لِجَوَازِهَا فِي النَّهَارِ، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ النَّسْخِ فَالنِّيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ فِي نَهَارِ عَاشُورَاءَ لَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى اللَّيْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَالنِّزَاعُ فِيمَا كَانَ مَقْدُورًا فَيَخُصُّ الْجَوَازَ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَعْنِي مَنْ ظَهَرَ لَهُ وُجُوبُ الصِّيَامِ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ كَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ، وَالصَّبِيُّ يَحْتَلِمُ، وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ، وَكَمَنْ انْكَشَفَ لَهُ فِي النَّهَارِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ " لَا صِيَامَ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ كُلَّ صِيَامٍ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّفْيَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ إلَى الذَّاتِ، أَوْ مُتَوَجِّهٌ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَصْلُحُ الْحَدِيثُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَا يُبَيِّتُ النِّيَّةَ إلَّا مَا خَصَّ كَالصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا يَرُدُّ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا النِّيَّةَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ. وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ حَدِيثُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَجْدِيدِهَا لِكُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُسْقِطَةٌ لِفَرْضِ وَقْتِهَا. وَقَدْ وَهِمَ مَنْ قَاسَ أَيَّامَ رَمَضَانَ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ بِاعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ لِلْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَمَلٌ وَاحِدٌ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِفِعْلِ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَالْإِخْلَالُ بِوَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ إجْزَائِهِ. قَوْلُهُ: (يُجْمَعُ) أَيْ يَعْزِمُ، يُقَالُ: أَجْمَعَتْ عَلَى الْأَمْرِ: أَيْ عَزَمْتَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: يُجْمَعُ بِضَمِّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ إحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةِ، يُقَالُ: أَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وَأَزْمَعْتُ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute