بَابُ مَا جَاءَ فِي صَوْمِ شَعْبَانَ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
١٧٢٢ - (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: «كَانَ يَصُومُ شَهْرَيْ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» .
١٧٢٣ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» .
وَفِي لَفْظٍ «مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ، مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ
ــ
[نيل الأوطار]
الْأَحْكَامِ إنَّمَا يَتَلَقَّاهَا النَّصَارَى مِنْ التَّوْرَاةِ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّفِينَةَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِيهِ، فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ ذِكْرُ مُوسَى دُونَ غَيْرِهِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الْفَرَحِ بِاعْتِبَارِ نَجَاتِهِمَا وَغَرَقِ أَعْدَائِهِمَا قَوْلُهُ: (صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ يُضِيفُهُ إلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، إمَّا احْتِيَاطًا لَهُ وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى صَوْمِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ ضَمِّ الْيَوْمَيْنِ إلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
وَقَدْ أُخْرِجَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِمِثْلِ اللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ قَوْلَهُ: " صُمْنَا التَّاسِعَ " يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْعَاشِرِ إلَى التَّاسِعِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُضِيفَهُ إلَيْهِ فِي الصَّوْمِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَحْوَطَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ، فَيَكُونُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: الْأُولَى صَوْمُ الْعَاشِرِ وَحْدَهُ. وَالثَّانِيَةُ صَوْمُ التَّاسِعِ مَعَهُ. وَالثَّالِثَةُ صَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ مَعَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ صَاحِبُ الْفَتْحِ قَوْلُهُ: (يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ) قَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، وَتَأَوَّلَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِهِ رَابِعًا، وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّامِ، وَعَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَاشِرًا. قَالَ: وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ. قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنْ الْإِظْمَاءِ فَبَعِيدٌ انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute