للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٢١ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: إذَا كَانَ عَامُ الْمُقْبِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

وَفِي لَفْظٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» ، يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ) . .

ــ

[نيل الأوطار]

مِنْ تَوَارُدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى صِيَامِهِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَمْ يَصُمْهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ. . . إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَهُ النَّسَائِيّ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا قَطُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لَاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ: وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ عَلَى الدَّوَامِ كَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَامٌ خُصَّ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَقَدُّمِ وُجُوبِهِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَنَةِ الْفَتْحِ، وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَالنِّدَاءَ بِذَلِكَ شَهِدُوهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَوَّلَ الْعَامِ الثَّانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ، ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ. وَمَقُولُ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّابِتُ فِي مُسْلِمٍ: لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ عَاشُورَاءَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ. وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْمَتْرُوكُ تَأْكِيدُ اسْتِحْبَابِهِ وَالْبَاقِي مُطْلَقُ الِاسْتِحْبَابِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ بَلْ تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ بَاقٍ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اسْتِمْرَارِ الِاهْتِمَامِ، حَتَّى فِي عَامِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: " وَلَئِنْ بَقِيتُ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ " كَمَا سَيَأْتِي، وَلِتَرْغِيبِهِ فِيهِ وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، فَأَيُّ تَأْكِيدٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا؟ .

١٧٢١ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: إذَا كَانَ عَامُ الْمُقْبِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

وَفِي لَفْظٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» ، يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

رِوَايَةُ أَحْمَدَ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَوْلُهُ: (تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى) اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِنَجَاةِ مُوسَى وَغَرَقِ فِرْعَوْنَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِمُوسَى وَالْيَهُودِ.

وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَعْظِيمِ النَّصَارَى أَنَّ عِيسَى كَانَ يَصُومُهُ، وَهُوَ مَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا مَا نُسِخَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٥٠] وَأَكْثَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>