١٨٤٢ - (وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)
ــ
[نيل الأوطار]
تَمَنَّاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، زَادَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ بَلَدِ سَفَرِهِ فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ لَهُ. قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَشْبَهُهَا بِمُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا. وَقَدْ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ بِحُجَجٍ: مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَهُ لِنَبِيِّهِ. وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةَ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» يَقْتَضِي أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ جُزْءًا مِنْهُ أَوْ كَالْجُزْءِ الدَّاخِلِ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ الْقِرَانِ. وَمِنْهَا أَنَّ النُّسُكَ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَى سَوْقِ الْهَدْي أَفْضَلُ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ بِمَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» قَالُوا: وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَمَنَّى إلَّا الْأَفْضَلَ، وَاسْتِمْرَارُهُ فِي الْقِرَانِ إنَّمَا كَانَ لِاضْطِرَارِ السَّوْقِ إلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ أَنَّ نُسُكًا أَفْضَلُ مِنْ نُسُكٍ اخْتَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ وَخَيْرِ الْقُرُونِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِحُزْنِهِمْ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِ فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَشْرِيعٍ لِلْعِبَادِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْبِرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ التَّمَتُّعِ أَفْضَلُ مِمَّا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الْقِرَانِ وَالْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهَلْ هَذَا إلَّا تَغْرِيرٌ يَتَعَالَى عَنْهُ مَقَامُ النُّبُوَّةِ
وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَالتَّمَسُّكُ بِهِ مُتَعَيَّنٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَتِهِ ضَائِعَةٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَوَاظَبُوا عَلَى إفْرَادِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ، وَيَجِبُ الدَّمُ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَهُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِفَوَاتِ الْمِيقَاتِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى جُبْرَانٍ أَفْضَلَ وَمِنْهَا أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ وَكَرِهَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا التَّمَتُّعَ وَبَعْضُهُمْ الْقِرَانَ. وَيُجَابُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ بِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَوْ كَانَ أَفْضَلَ لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَمَنَّى فِعْلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَمْنُوعًا بِالسَّوْقِ وَالْكُلُّ مَمْنُوعٌ، وَالسَّنَدُ مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قِرَانًا وَأَظْهَرَ أَنَّهُ كَانَ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ تَمَتُّعًا، وَهَذَانِ الْبَحْثَانِ: أَعْنِي تَعْيِينَ مَا حَجَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَنْوَاعِ، وَبَيَانَ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ الْمَضَايِقِ وَالْمَوَاطِنِ الْبَسْطُ، وَفِيمَا حَرَّرْنَاهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْإِيجَازِ مَا يُغْنِي اللَّبِيبَ.
١٨٤٢ - (وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute