. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ سَبَقَ إلَيْهِ قَدِيمًا ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَبَيَّنَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيَانًا شَافِيًا، وَمَهَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَمْهِيدًا بَالِغًا يَطُولُ ذِكْرُهُ. وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ الْإِفْرَادَ حَمَلَ عَلَى مَا أَهَلَّ بِهِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ التَّمَتُّعَ أَرَادَ مَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ الْقِرَانَ أَرَادَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَجَمَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بْنُ تَيْمِيَّةَ جَمْعًا حَسَنًا فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ التَّمَتُّعَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ يَتَنَاوَلُ الْقِرَانَ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ حَجَّ تَمَتُّعًا وَكُلُّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ قَدْ رَوَى أَنَّهُ حَجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتُّعًا وَقِرَانًا، فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى الْقِرَانِ وَأَنَّهُ أَفْرَدَ أَعْمَالَ الْحَجِّ ثُمَّ فَرَغَ مِنْهَا وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ صَارَ إلَى التَّعَارُضِ فَرَجَّحَ نَوْعًا وَأَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِمَا يُخَالِفُهُ، وَهِيَ جَوَابَاتُ طَوِيلَةُ أَكْثَرُهَا مُتَعَسِّفَةٌ، وَأَوْرَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَا اخْتَارَهُ مُرَجِّحَاتٍ أَقْوَاهَا وَأَوْلَاهَا مُرَجِّحَاتُ الْقِرَانِ فَإِنَّهُ لَا يُقَاوِمُهَا شَيْءٌ مِنْ مُرَجِّحَاتِ غَيْرِهِ. مِنْهَا أَنَّ أَحَادِيثَهُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَغَيْرَهُ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ إذَا خَرَجَتْ مِنْ مَخْرَجٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ إذَا ثَبَتَتْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قِرَانًا. وَمِنْهَا أَنَّ رِوَايَاتِ الْقِرَانِ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا أَنَّ رُوَاةَ الْقِرَانِ أَكْثَرُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ سَمَاعِهِ لَفْظًا صَرِيحًا، وَفِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ إخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَفِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ بِذَلِكَ
وَمِنْهَا أَنَّهُ النُّسُكُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ كُلَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَهُمْ بِهِ إذَا سَاقُوا الْهَدْيَ، ثُمَّ يَسُوقُ هُوَ الْهَدْيَ وَيُخَالِفُهُ.
١ -
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مُرَجِّحَاتٍ غَيْرَ هَذِهِ وَلَكِنَّهَا مُرَجِّحَاتٌ بِاعْتِبَارِ أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَانِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ، لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قِرَانًا، وَهُوَ بَحْثٌ آخَرُ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَتَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ إلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ. وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَالنَّاصِرِ وَأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأَخِيهِ مُوسَى وَالْإِمَامِيَّةِ إلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمْ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ إلَى أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ مُقْتَضَى تَصَرُّفِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضُلُ لَهُ لِيُوَافِقَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ لَيُوَافِقَ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute