. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ وَسَيَأْتِيَانِ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُمَا. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " لِلْأَبَدِ " جَوَازُ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ فَهُمَا جَائِزَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ فَمُخْتَصٌّ بِتِلْكَ السَّنَةِ، وَقَدْ عَارَضَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْهَا أَحَادِيثَ عَشْرَةٍ مِنْهُمْ وَهُمْ جَابِرٌ وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَسْمَاءُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ وَالرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ وَالْبَرَاءُ وَأَرْبَعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ أَحَادِيثَهُمْ وَهُمْ حَفْصَةُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو مُوسَى. قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا عَنْهُمْ نَقْلًا يَرْفَعُ الشَّكَّ وَيُوجِبُ الْيَقِينَ وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَهُ أَوْ يَقُولَ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَبَحْرِهَا ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَذْهَبُ إمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَهُ وَمَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ قَاضِيَةٌ بِجَوَازِ الْفَسْخِ، وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِتِلْكَ السَّنَةِ وَبِذَلِكَ الرَّكْبِ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبِي فِيمَا هُوَ مَسْرَحٌ لِلِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهْ غَيْرُهُ فَكَيْفَ إذَا عَارَضَهُ رَأْيُ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ إلَّا حَلَّ " وَأَخْرَجَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ جَاءَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فَإِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ يُصَيِّرُهُ إلَى عُمْرَةٍ شَاءَ أَمْ أَبَى، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ وَإِنْ زَعَمُوا، وَكَأَبِي مُوسَى فَإِنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِ الْفَسْخِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي ذَرٍّ مُعَارَضٌ بِصَرِيحِ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُرَاقَةَ بِقَوْلِهِ: لِلْأَبَدِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ مُتْعَتِهِمْ تِلْكَ بِخُصُوصِهَا مُشِيرًا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: " مُتْعَتَنَا هَذِهِ " فَلَيْسَ فِي الْمَقَامِ مُتَمَسَّكٌ بِيَدِ الْمَانِعِينَ يُعْتَدُّ بِهِ وَيَصْلُحُ لِنَصْبِهِ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى فَرْضِ انْفِرَادِهِ، فَكَيْفَ إذَا وَقَعَ مُعَارِضًا لِأَحَادِيثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ تَحْتَاجُ إلَى نُصُوصٍ صَحِيحَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ هَذِهِ النُّصُوصِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى فَأَمْرٌ لَا يَعْجَزُ عَنْهُ أَحَدٌ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَلَّ لَنَا الْمُتْعَةَ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا» فَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute