بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الْعَشْرِ مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ
ــ
[نيل الأوطار]
النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى عَنْهُ بِلَفْظِ: «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ وَأُمِرْت بِصَلَاةِ الضُّحَى وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِهَا» وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ أَحْمَدَ وَأَبَا يَعْلَى جَابِرَ الْجُعْفِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِي إسْنَادِ الْبَزَّارِ وَابْنِ عَدِيٍّ وَالْحَاكِمِ بْنُ جُنَابٍ الْكَلْبِيُّ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَرَكْعَتَا الضُّحَى» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: «أُمِرْت بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا وَابْنُ شَاهِينَ فِي نَاسِخِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «أُمِرْت بِالْوِتْرِ وَالْأَضْحَى وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيَّ» وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهَةَ أَنْ يَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ
وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَخْصِيصُ الرَّبِّ بِالنَّحْرِ لَهُ لَا لِلْأَصْنَامِ فَالْأَمْرُ مُتَوَجِّهٌ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْقَيْدُ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الْكَلَامُ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ تَخْصِيصِ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَالنَّحْرِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْرِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ حَالَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّدْرِ كَمَا سَلَفَ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا نَهَى مَنْ كَانَ ذَا سَعَةٍ عَنْ قُرْبَانِ الْمُصَلَّى إذَا لَمْ يُضَحِّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا، فَكَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقَرُّبِ مَعَ تَرْكِ هَذَا الْوَاجِبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْإِيجَابِ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِعَرَفَاتٍ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَّةٌ فِي كُلِّ عَامٍ وَعَتِيرَةٌ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَسَيَأْتِي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكَلَامِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرْعَ وَلَا عَتِيرَةَ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَسْخَ الْعَتِيرَةِ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الْأُضْحِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» . وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ. وَبِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ» وَسَيَأْتِي هُوَ وَحَدِيثُ جُنْدُبٍ فِي بَابِ وَقْتِ الذَّبْحِ، وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَأْتِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِمَا يَصْلُحُ لِلصَّرْفِ كَمَا عَرَفْت. نَعَمْ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي قَرِيبًا رُبَّمَا كَانَ صَالِحًا لِلصَّرْفِ لِقَوْلِهِ: " وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ "؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إلَى الْإِرَادَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute