للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

إطْلَاقُ لَفْظِ الطَّعَامِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.

وَأَمَّا بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْجُزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَيُحَتِّمُ الْمَصِيرَ إلَى أَنَّ حُكْمَ الطَّعَامِ مُتَّحِدٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ ضَوْءِ النَّهَارِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ - أَعْنِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الشَّيْءِ قَبْلَ قَبْضِهِ - مُخْتَصٌّ بِالْجُزَافِ دُونَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ.

وَحُكِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الطَّعَامِ وَالتَّصْرِيحِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ، وَالتَّنْصِيصِ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَكِيلِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْمَوْزُونِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ حَكَى عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْهُ

وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ صَاحِبُ ضَوْءِ النَّهَارِ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ابْنَ الْمُنْذِرِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخَصِّصْ بَعْضَ الطَّعَامِ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ سَوَّى بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ، وَنَفَى اعْتِبَارَ الْقَبْضِ عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَقَوْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا الْمَذْهَبِ حَدِيثُ حَكِيمٍ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ غَيْرَ الطَّعَامِ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِالنَّهْيِ فِي السِّلَعِ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ خَصَّصَ هَذَا الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ عُمَرَ بَكْرًا كَانَ ابْنُهُ رَاكِبًا عَلَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِابْنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ» وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا كَانَتْ بِعِوَضٍ وَهَذِهِ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ عَلَى عِوَضٍ، وَغَايَةُ مَا فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ لِلْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ الْأُمَّةَ أَوْ نَهَاهَا أَمْرًا أَوْ نَهْيًا خَاصًّا بِهَا ثُمَّ فَعَلَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَوْ النَّهْيَ الْخَاصَّيْنِ بِالْأُمَّةِ فِي مَسْأَلَةٍ مَخْصُوصَةٍ هُمَا أَخَصُّ مِنْ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي الْعَامَّةِ مُطْلَقًا، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى تَخْصِيصِ التَّصَرُّفِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ: فَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ وَيَحِلُّ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْجَمْعَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَحَدِيثِ شِرَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبَكْرِ، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إلْحَاقَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ إلْحَاقٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَأَيْضًا إلْحَاقُهَا بِالْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ الْبَيْعِ الَّذِي وَرَدَتْ بِمَنْعِهِ الْأَحَادِيثُ تَحَكُّمٌ، وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بِإِلْحَاقِ التَّصَرُّفَاتِ بِعِوَضٍ بِالْبَيْعِ، فَيَكُونُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرَ جَائِزٍ، وَإِلْحَاقُ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا عِوَضَ فِيهَا بِالْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.

وَلَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>