للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

٢٢٥٩ - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ)

ــ

[نيل الأوطار]

الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، وَبَيْعُ الْعَرَايَا رُخْصَةٌ، فَيُؤْخَذُ بِمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْجَوَازُ وَيُلْقَى مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ، وَلَكِنَّ مُقْتَضَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَجُوزَ مُجَاوَزَةُ الْأَرْبَعَةِ الْأَوْسُقِ، مَعَ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَهَا إلَى دُونِ الْخَمْسَةِ بِمِقْدَارٍ يَسِيرٍ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ «فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» فَيُلْقَى الشَّكُّ وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَيُعْمَلُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ مَا دُونَهَا وَقَدْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي الْعَبَّاسِ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا سَلَفَ مِنْ تَحْقِيقِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَايَا.

وَحَكَى فِي الْفَتْحِ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْجَوَازُ فِي الْخَمْسَةِ عَمَلًا بِرِوَايَةِ الشَّكِّ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: إنَّ الْعَرِيَّةَ ثَلَاثَةُ أَوَسْقً أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَوْسُقِ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَقَدْ حَكَى هَذَا الْمَذْهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ، وَهُوَ ذَهَابٌ إلَى مَا فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ: الِاحْتِيَاطُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَمَّا جَعْلُهُ حَدًّا لَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ فَلَيْسَ بِالْوَاضِحِ اهـ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دُونَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقْتَضِي بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الدُّونُ مُجْمَلًا مُبَيَّنًا بِالْأَرْبَعَةِ كَانَ وَاضِحًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي قَوْلِهِ " دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ "؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الدُّونُ لُغَةً، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهُ مُجْمَلٌ، وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ فِي الْأَرْبَعَةِ لَا يُعَارِضُ الْمَنْطُوقَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِغَيْرِ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ، وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّطَبِ الْمَخْرُوصِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالرُّطَبِ الْمَخْرُوصِ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ ابْنُ خَيْرَانَ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ رَأْيُ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْهُمْ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ. وَقِيلَ: إنْ كَانَا نَوْعًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ جَازَ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى النَّخْلِ وَالْآخَرُ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>