. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
لَا بَيْعَ فِيهِمَا، وَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَصَرَ مَالِكٌ الْعَرِيَّةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقَصَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ وَأَرَادَ بِهِ: رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا الرُّطَبَ وَلَا يَشْتَرُونَهُ لِتِجَارَةٍ وَلَا ادِّخَارٍ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ صُوَرَ الْبَيْعِ كُلَّهَا وَقَصَرَ الْعَرِيَّةَ عَلَى الْهِبَةِ وَهِيَ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ نَخْلِهِ وَلَا يُسَلِّمَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ تِلْكَ الْهِبَةَ فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَحْتَبِسَ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ بِقَدْرِ مَا وَهَبَهُ لَهُ مِنْ الرُّطَبِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا.
وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذُهُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَتُعُقِّبَ بِالتَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا فِي الْأَحَادِيثِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الَّذِي رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْإِذْنُ فِي السَّلَمِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْهِبَةَ مَا اُسْتُثْنِيَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالرُّخْصَةِ، وَالرُّخْصَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي شَيْءٍ مَمْنُوعٍ، وَالْمَنْعُ إنَّمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ لَا الْهِبَةِ وَبِأَنَّهَا قُيِّدَتْ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالْهِبَةُ لَا تَتَقَيَّدُ، وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَذْهَبِهِ بِأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ الْعَطِيَّةُ وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَصْلِ الْعَرِيَّةِ الْعَطِيَّةَ أَنْ لَا تُطْلَقَ شَرْعًا عَلَى صُوَرٍ أُخْرَى. وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رُخْصَةَ الْعَرَايَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَحَاوِيجِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ رُطَبًا فَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُ بِخَرْصِهِ تَمْرًا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَلَفِ الْحَدِيثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَقْدَ فِي أَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا وَيَأْكُلُونَ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فُضُولُ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ، وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى اخْتِصَاصِ الْعَرَايَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ، أَمَّا أَوَّلًا فَبِالْقَدْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ أَنْكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ لَهُ إسْنَادًا فَبَطَلَ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ أَعَمُّ مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْعَرَايَا وَرَدَ بِهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ ثَبَتَتْ عَنْ أَهْلِ الشَّرْعِ أَوْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِدُخُولِهَا تَحْتَ مُطْلَقِ الْإِذْنِ، وَالتَّنْصِيصُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يُنَافِي مَا ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (بِخَرْصِهِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَأَشَارَ ابْنُ التِّينِ إلَى جَوَازِ كَسْرِهَا وَجَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالْكَسْرِ، وَأَنْكَرَ الْفَتْحَ وَجَوَّزَهُمَا النَّوَوِيُّ وَقَالَ: الْفَتْحُ أَشْهَرُ قَالَ: وَمَعْنَاهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ إذَا صَارَ تَمْرًا، فَمَنْ فَتَحَ قَالَ: هُوَ اسْمُ الْفِعْلِ وَمَنْ كَسَرَ قَالَ: هُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْخَرْصُ هُوَ التَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ. قَوْلُهُ: (يَقُولُ الْوَسْقَ وَالْوَسْقَيْنِ. . . إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا إلَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ قَالُوا: لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute