. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ لَمْ يَحْلِبْ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ التَّصْرِيَةُ لَا يُعْرَفُ غَالِبُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ جُعِلَ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلُهُ: (إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا) اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلُهُ: (وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي رَدِّهَا، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّاعَ مَدْفُوعٌ ابْتِدَاءً لَا مَرْدُودٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَجَازٌ عَنْ فِعْلٍ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ نَحْوَ سَلِّمْهَا أَوْ ادْفَعْهَا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
أَيْ: نَاوَلْتُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ آخَرُ يُنَاسِبُ الْمَعْطُوفَ أَيْ: رُدَّهَا وَسَلِّمْ، أَوْ أَعْطِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَمَا قِيلَ: إنَّ التَّقْدِيرَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ الْمَذْكُورِ: وَسَقَيْتُهُا مَاءً بَارِدًا
وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُ جُمْهُورِ النُّحَاةِ: إنَّ شَرْطَ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْمَعْنَى نَحْوَ جِئْتُ أَنَا وَزَيْدًا وَقُمْتُ أَنَا وَزَيْدًا، نَعَمْ جَعْلُهُ مَفْعُولًا مَعَهُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ مُصَاحَبَتِهِ لِلْمَفْعُولِ بِهِ وَهُمْ الْقَلِيلُ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى صِفَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ وَاخْتِلَاطِهِ بِمَا تَجَدَّدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ: (لِقْحَةً) هِيَ النَّاقَةُ الْحَلُوبُ أَوْ الَّتِي نَتَجَتْ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ الْخِيَارِ هَذَا الْمِقْدَارَ، فَتُقَيَّدُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الرِّوَايَاتُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: " بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْهَادِي وَالنَّاصِرُ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ وَحَمَلُوا رِوَايَةَ الثَّلَاثِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَبْلَ الثَّلَاثِ قَالُوا: وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِالتَّصْرِيَةِ فِيمَا دُونَهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَاءِ الثَّلَاثِ فَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ بَيَانِ التَّصْرِيَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ وَقِيلَ: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ التَّفَرُّقِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْفَوْرُ أَوْسَعَ مِنْ الثَّلَاثِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا إذَا تَأَخَّرَ ظُهُورُ التَّصْرِيحِ إلَى آخِرِ الثَّلَاثِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تُحْسَبَ الْمُدَّةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَنْ يَفُوتَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّوْسِيعِ بِالْمُدَّةِ اهـ قَوْلُهُ (مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد: «مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الطَّعَامُ عَلَى التَّمْرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الطَّعَامِ: الْقَمْحَ، نَفَاهُ بِقَوْلِهِ (لَا سَمْرَاءَ) وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ بِلَفْظِ: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ لَا سَمْرَاءَ» وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لَمَّا ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الطَّعَامَ مُسَاوٍ لِلْبُرِّ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبُرِّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute