. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ الطَّعَامِ الْبُرُّ كَمَا سَلَفَ فِي الْفِطْرَةِ وَيَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعِ أَيْضًا مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِلَفْظِ: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَإِنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي وَالِاحْتِمَالُ قَادِحٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ، فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِفْ وَيَشْكُلُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «رُدَّهَا وَرُدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْحَافِظُ بِأَنَّ إسْنَادَ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ: (مُحَفَّلَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ التَّحْفِيلِ وَهُوَ التَّجْمِيعُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِ اللَّبَنِ يَكْثُرُ فِي ضَرْعِهَا، وَكُلُّ شَيْءٍ كَثَّرْتَهُ فَقَدْ حَفَّلْتَهُ. تَقُولُ: ضَرْعٌ حَافِلٌ: أَيْ: عَظِيمٌ وَاحْتَفَلَ الْقَوْمُ إذَا كَثُرَ جَمْعُهُمْ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَحْفَلُ. وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ
وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الَّذِي اُحْتُلِبَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا وَخَالَفَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي فُرُوعِهَا آخَرُونَ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يُرَدُّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَخَالَفَهُمْ زُفَرُ فَقَالَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَتَعَيَّنُ صَاعَ التَّمْرِ بَلْ قِيمَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالُوا: يَتَعَيَّنُ قُوتُ الْبَلَدِ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ كَفَى وَأَثْبَتَ ابْنُ كَجٍّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّمْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِبَلَدِهِ أَوْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا التَّمْرُ إلَيْهِ وَبِالثَّانِي قَالَتْ الْحَنَابِلَةُ اهـ
كَلَامُ الْفَتْحِ وَالْهَادَوِيَّةِ يَقُولُونَ: إنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ اللَّبَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَمِثْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمِثْلُ فَالْقِيمَةُ وَقَدْ اعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ بِأَعْذَارٍ بَسَطَهَا صَاحِبُ فَتْحِ الْبَارِي وَسَنُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ بِاخْتِصَارٍ وَنَزِيدُ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةِ الْعُذْرِ: الْأَوَّلُ: الطَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالُوا: وَلَمْ يَكُنْ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا يَرْوِيهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَبُطْلَانُ هَذَا الْعُذْرِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِبَيَانِ وَجْهِهِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِهِمْ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْفَظَهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَوْسَعَهُمْ رِوَايَةً لِاخْتِصَاصِهِ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْحِفْظِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي قِصَّةِ بَسْطِهِ لِرِدَائِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ تَفَرُّدُهُ بِشَيْءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute