. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
وَقَدْ اعْتَذَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ تَفَرُّدِهِ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ أَصْحَابِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشْهَدُ إذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إذَا نَسَوْا وَأَيْضًا لَوْ سَلِمَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي الْفِقْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الَّذِي يَتَفَرَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الشَّرِيعَةِ بَلْ أَكْثَرَهَا وَارِدٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفِقْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَطَرْحُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَسْتَلْزِمُ طَرْحَ شَطْرِ الدِّينِ، عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحُكْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ رَوَاهُ مَعَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَنَسٌ، كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ أَبُو يَعْلَى وَعَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ، كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يُسَمَّ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُ، وَرَوَوْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنَّ مُخَالَفَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ مُشْعِرَةٌ بِثُبُوتِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنِعْمَ مَا قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَاعْتَلَّ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا. الْعُذْرُ الثَّانِي مِنْ أَعْذَارِ الْحَنَفِيَّةِ الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ قَالُوا: لِذِكْرِ التَّمْرِ فِيهِ تَارَةً وَالْقَمْحِ أُخْرَى وَاللَّبَنِ أُخْرَى، وَاعْتِبَارُ الصَّاعِ تَارَةً وَالْمِثْلِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ أُخْرَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالضَّعِيفَ لَا يُعَلُّ بِهِ الصَّحِيحُ. الْعُذْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لَا الْعُقُوبَاتِ، وَلَوْ سَلِمَ دُخُولُهُ تَحْتَ الْعُمُومِ، فَالصَّاعُ مِثْلٌ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْمُتْلَفِ وَجَعْلُهُ مَخْصُوصًا بِالتَّمْرِ دَفْعًا لِلشِّجَارِ، وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ صِدْقِ الْمِثْلِ عَلَيْهِ فَعُمُومُ الْآيَةِ مُخَصَّصٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِمْ فَلِأَنَّهُ مَشْهُورٌ، وَهُوَ صَالِحٌ لِتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ. الْعُذْرُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، وَلَوْ كَفَى ذَلِكَ لَرَدَّ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمُصَرَّاةِ قَدْ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا أُلْزِمَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ صَارَ دَيْنًا بِدَيْنٍ كَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَلَوْ سَلَمَتْ صَلَاحِيَتُهُ فَكَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ الصَّاعُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ حَاضِرًا إلَّا نَسِيئَةً مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ مَوْجُودًا أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَحَدِيثُ الْبَابِ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ ذَلِكَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ نَاسِخَهُ حَدِيثُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ فَضْلَةٌ مِنْ فَضَلَاتِ الشَّاةِ وَلَوْ تَلِفَتْ لَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute