للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْعِبَارَةِ الْعُمُومُ، فَيَشْمَلُ كُلَّ صُلْحٍ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ جَوَازِ صُلْحٍ زَائِدٍ عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَإِلَى الْعُمُومِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] وَيُجَابُ بِأَنَّ الرِّضَا بِالصُّلْحِ مُشْعِرٌ بِطِيبَةِ النَّفْسِ، فَلَا يَكُونُ أَكْلُ الْمَالِ بِهِ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِنْكَارِ كَالْبَيْعِ

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِنْكَارِ فِي الْبَيْعِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حَقٍّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِنْكَارُ قَبْلَ صُدُورِ الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ

وَوَجْهُ التَّخْصِيصِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْأَحْكَامِ فِي الْغَالِبِ هُمْ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْقَادُونَ لَهَا قَوْلُهُ: (إلَّا صُلْحًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ بِالرَّفْعِ وَالصُّلْحُ الَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَمُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يَبِيتَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا، وَاَلَّذِي يُحَلِّلُ الْحَرَامَ كَأَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى وَطْءِ أَمَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ أَكْلِ مَالٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ " أَيْ: ثَابِتُونَ عَلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ عَنْهَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا فِي الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ دُونَ الْفَاسِدَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: " إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا. . . إلَخْ " وَيُؤَيِّدُهُ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَحَدِيثُ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَالشَّرْطُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ كَأَنْ يَشْرُطَ نُصْرَةَ الظَّالِمِ وَالْبَاغِي أَوْ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَأَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَأَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>