. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَرْبَيْتُمَا " فِي حَدِيثِ رَافِعٍ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: قَدْ وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ بِأَنَّهَا رِبًا، وَالرِّبَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَدِيثُ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ لِلْمَقَالِ الَّذِي فِيهِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ مُعَارَضَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ الْوَارِدَةِ بِجَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رِبًا وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ، بَلْ يَبْعُدُ أَنْ يُعَامِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُعَامَلَةَ الْمَكْرُوهَةَ وَيَمُوتَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّهُ أَلْجَأَنَا إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا مَا نُرَجِّحُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِذَارُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَوَازِ بِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ نَهْيًا مُخْتَصًّا بِالْأُمَّةِ وَفَعَلَ مَا يُخَالِفُهُ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُخْتَصًّا بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَوَّلًا: النَّهْيُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْأُمَّةِ، وَثَانِيًا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّرَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مِثْلِ مُعَامَلَتِهِ فِي خَيْبَرَ إلَى عِنْدِ مَوْتِهِ، وَثَالِثًا: أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ، وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا وَمِنْ أَوْضَحِ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْمُزَارَعَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي
٣٢٥٩ - (وَعَنْ أَسِيد بْنِ ظُهَيْرٍ «قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ أَرْضِهِ أَوْ افْتَقَرَ إلَيْهَا أَعْطَاهَا بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَيَشْتَرِطُ ثَلَاثَ جَدَاوِلَ وَالْقُصَارَةَ وَمَا يَسْقِي الرَّبِيعُ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا وَيُصِيبُ مِنْهَا مَنْفَعَةً، فَأَتَانَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَكُمْ نَافِعًا، وَطَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ لَكُمْ، نَهَاكُمْ عَنْ الْحَقْلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْقُصَارَةُ بَقِيَّةُ الْحَبِّ فِي السُّنْبُلِ بَعْدَمَا يُدَاسُ) الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِدُونِ كَلَامِ أَسِيد بْنِ ظُهَيْرٍ، وَرِجَالُ إسْنَادِ الْحَدِيثِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (وَالْقُصَارَةَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْقُصَارَةُ بِالضَّمِّ، وَالْقِصْرَى بِالْكَسْرِ وَالْقَصَرُ، وَالْقَصَرَةُ مُحَرَّكَتَيْنِ، وَالْقُصْرَى كَالْبُشْرَى: مَا يَبْقَى فِي الْمُنْخُلِ بَعْدَ الِانْتِخَالِ، أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْقَتِّ بَعْدَ الدَّوْسَةِ الْأُولَى، وَالْقِشْرَةُ الْعُلْيَا مِنْ الْحَبَّةِ اهـ
قَوْلُهُ: (عَنْ الْحَقْلِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ، أَصْلُهُ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَقْلُ: الزَّرْعُ إذَا تَشَعَّبَ وَرَقُهُ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ سُوقُهُ، وَالْحَقْلُ: الْقَرَاحُ الطَّيِّبُ يَعْنِي: مِنْ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ لِلزِّرَاعَةِ، وَالْمَحَاقِلُ: مَوَاضِعُ الْمُزَارَعَةِ كَمَا أَنَّ الْمَزَارِعَ مَوَاضِعُهَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute