للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٣٦٠ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُصِيبُ مِنْ الْقُصْرَى وَمِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُحْرِثْهَا أَخَاهُ وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَالْقُصْرَى: الْقُصَارَةُ)

ــ

[نيل الأوطار]

الْمَحَاقِلَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَةِ رَافِعٍ قَالَ فِيهِ «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قَالُوا: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا» وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ مُطْلَقِ الْمُزَارَعَةِ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا فِي أَوَّلِهِ مِنْ كَلَامِ أَسِيد مِنْ ضَمِّ الِاشْتِرَاطِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لِمَا أَسْلَفْنَا

قَوْلُهُ (وَالْقُصْرَى) قَدْ سَبَقَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ: (فَلْيَزْرَعْهَا) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالرَّاءِ: أَيْ: بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِيُحْرِثْهَا) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: أَيْ: يَجْعَلْهَا مَزْرَعَةً لِأَخِيهِ بِلَا عِوَضٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهَا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ بِلَفْظِ: «لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ» أَيْ: يَجْعَلَهَا مِنْحَةً لَهُ، وَالْمِنْحَةُ: الْعَارِيَّةُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مُؤَاجَرَةِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ " وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا " وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِمَا سَلَفَ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ أَوْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالنَّدْبِ فَقَطْ لِمَا أَسْلَفْنَا وَلِمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَعْطِيلَ الْأَرْضِ عَنْ الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ الْمَالِ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَدَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِرَاعَةَ الْأَرْضِ مِنْ الْمَالِكِ نَفْسِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيلَةِ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعَمَلِ فِيهَا وَالِاسْتِغْنَاءَ عَنْ النَّاسِ بِمَا يُحَصِّلُ مِنْ الْقُرَبِ الْعَظِيمَةِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ النَّاسِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ الَّتِي هِيَ لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ سُمٌّ قَاتِلٌ، وَشُغْلٌ عَنْ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ شَاغِلٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى الزِّرَاعَةِ تَثَبُّطٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ كَالْجِهَادِ

وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا فِي فَضْلِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ: بَابُ فَضْلِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ

٢٣٦١ - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّ أَصْحَابَ الْمَزَارِعِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ بِمَا يَكُونُ عَلَى السَّوَاقِي، وَمَا سَعِدَ بِالْمَاءِ مِمَّا حَوْلَ النَّبْتِ، فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَصَمُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ أَنْ يُكْرُوا بِذَلِكَ وَقَالَ: أَكْرُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَمَا بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اجْتِنَابِهَا نَدْبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>