. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صُرِفَ عَنْهُ الْخَلْطُ، فَعَلَى هَذَا صُرِفَ مُخَفَّفُ الرَّاءِ وَعَلَى الْأَوَّلِ: أَيْ التَّصْرِيفِ وَالتَّصَرُّفِ مُشَدَّدٌ
قَوْلُهُ: (فَلَا شُفْعَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْخُلْطَةِ لَا بِالْجِوَارِ وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَحَكَى فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ سِيرِينَ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ إنَّ قَوْلَهُ " إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ. . . إلَخْ " مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ، وَوُرُودُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الْإِدْرَاجِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَاسْتَدَلَّ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ عَلَى الْإِدْرَاجِ بِعَدَمِ إخْرَاجِ مُسْلِمٍ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَصِرُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْحَدِيثِ، وَالْحُكْمُ لِلزِّيَادَةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْرَجَهَا مِثْلُ الْبُخَارِيِّ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ادَّعَى أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي إدْرَاجَهَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، وَلَا تَفَاوُتَ إلَّا بِكَوْنِ دَلَالَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِالْمَنْطُوقِ وَالْآخَرِ بِالْمَفْهُومِ وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ كَحَدِيثِ سَمُرَةَ وَالشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد وَأَبِي رَافِعٍ وَجَابِرٍ وَسَتَأْتِي وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِمُطْلَقِ الشَّرِيكِ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ وَكَمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي فَلَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ إذْ لَا شَرِكَةَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ
وَقَدْ أَجَابَ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجَارُ الْأَخَصُّ وَهُوَ الشَّرِيكُ الْمُخَالِطُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَارَبَ شَيْئًا يُقَالُ لَهُ جَارٌ، كَمَا قِيلَ لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ جَارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَطَةِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الشَّرِيكِ جَارًا قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الْآتِي أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ بَيْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ سَعْدٍ لَا شِقْصًا شَائِعًا مِنْ مَنْزِلِ سَعْدٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَنَّ سَعْدًا كَانَ اتَّخَذَ دَارَيْنِ بِالْبَلَاطِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتْ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْمَسْجِدِ مِنْهُمَا لِأَبِي رَافِعٍ فَاشْتَرَاهَا سَعْدٌ مِنْهُ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ الْآتِيَ، فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ سَعْدًا كَانَ جَارًا لِأَبِي رَافِعٍ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دَارِهِ لَا شَرِيكًا، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ
وَقَالَ أَيْضًا: إنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يَقُولُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ، لِأَنَّ الْجَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوِرِ مَجَازٌ فِي الشَّرِيكِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ، وَقَدْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ هُنَا عَلَى الْمَجَازِ فَاعْتُبِرَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ جَابِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ، فَحَدِيثُ جَابِرٍ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ، وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَصْرُوفُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَارُ أَحَقَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute