. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَافِظُ: وَهَذَا جَيِّدٌ لَوْلَا وُرُودُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَا سِيَّمَا رِوَايَةَ " سَوِّ بَيْنَهُمْ ". السَّابِعُ: قَالُوا: الْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ «قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» لَا سَوُّوا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّكُمْ لَا تُوجِبُونَ الْمُقَارَنَةَ كَمَا لَا تُوجِبُونَ التَّسْوِيَةَ الثَّامِنُ: فِي التَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ، فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ مِنْهُمْ فِي الْبِرِّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَرُدَّ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْجَوْرِ عَلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ التَّفْضِيلِ يَدُلَّانِ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا تَصْلُحُ تِلْكَ الْقَرِينَةُ لِصَرْفِهِمَا وَإِنْ صَلَحَتْ لِصَرْفِ الْأَمْرِ. التَّاسِعُ: مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ نَحْلَتِهِ لِعَائِشَةَ وَقَوْلُهُ لَهَا: " فَلَوْ كُنْت احْتَرَثْتِهِ " كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ نَحَلَ ابْنَهُ عَاصِمًا دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّفْضِيلُ غَيْرَ جَائِزٍ لَمَا وَقَعَ مِنْ الْخَلِيفَتَيْنِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ أَجَابَ عُرْوَةُ عَنْ قِصَّةِ عَائِشَةَ بِأَنَّ إخْوَتَهَا كَانُوا رَاضِينَ وَيُجَابُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنْ قِصَّةِ عَاصِمٍ اهـ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِمَا لَا سِيَّمَا إذَا عَارَضَ الْمَرْفُوعَ. الْعَاشِرُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ مَالَهُ لِغَيْرِ وَلَدِهِ، فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ وَلَدِهِ مِنْ مَالِهِ لِتَمْلِيكِ الْغَيْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ بِالتَّمْلِيكِ لِبَعْضِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ اهـ.
فَالْحَقُّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ التَّفْضِيلَ مُحَرَّمٌ وَاخْتَلَفَ الْمُوجِبُونَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّسْوِيَةِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: الْعَدْلُ أَنْ يُعْطَى الذَّكَرُ حَظَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ذَلِكَ حَظُّهُ مِنْ الْمَالِ لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْوَاهِبِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ: (وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ. . . إلَخْ) قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النُّعْمَانِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي دَاوُد وَأَبُو الضُّحَى عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةُ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالشَّعْبِيُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ مُسْنَدِ بَشِيرٍ وَالِدِ النُّعْمَانِ فَشَذَّ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (نَحَلْت ابْنِي هَذَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ أَعْطَيْت، وَالنِّحْلَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ: الْعَطِيَّةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَوْلُهُ: (غُلَامًا) فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: «أَنَّ النُّعْمَانَ خَطَبَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: إنَّ وَالِدِي بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ نَفِسَتْ بِغُلَامٍ وَإِنِّي سَمَّيْته النُّعْمَانَ وَإِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى جَعَلْت لَهُ حَدِيقَةً مِنْ أَفْضَلِ مَالٍ هُوَ لِي، وَأَنَّهَا قَالَتْ: أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ قَوْلُهُ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِالْحَمْلِ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute