للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي مَصْرِفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا وَمَالِ زَوْجِهَا

ــ

[نيل الأوطار]

عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ حَبِيبٍ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَرَّحَ بِهِ النَّسَائِيّ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْآخَرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ مَا لَفْظُهُ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ اهـ وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ الْمُعْمَرُ وَالْمُرْقَبُ يَكُونُ أَوْلَى بِالْعَيْنِ فِي حَيَاتِهِ وَوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ، وَهُوَ مِنْ سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَفِيهِ مَقَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ

قَوْلُهُ: (الْعُمْرَى) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحُكِيَ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ فَتْحُ أَوَّلِهِ مَعَ السُّكُونِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعُمْرِ وَهُوَ الْحَيَاةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّارَ وَيَقُولُ لَهُ: أَعْمَرْتُك إيَّاهَا: أَيْ أَبَحْتُهَا لَك مُدَّةَ عُمْرِكَ وَحَيَاتِكَ، فَقِيلَ لَهَا عُمْرَى لِذَلِكَ، وَالرُّقْبَى بِوَزْنِ الْعُمْرَى مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ الْآخَرَ مَتَى يَمُوتُ لِتَرْجِعَ إلَيْهِ، وَكَذَا وَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ هَذَا أَصْلُهَا لُغَةً

قَالَ فِي الْفَتْحِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْعُمْرَى إذَا وَقَعَتْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْآخَرِ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَإِلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ وَالْمَاوَرْدِيِّ عَنْ دَاوُد وَطَائِفَةٍ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِصِحَّتِهَا إلَى مَا يَتَوَجَّهُ التَّمْلِيكُ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إلَى الرِّقْبَةِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُعْمَرُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَفَذَ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ وَقِيلَ: يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرُّقْبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَقْفِ؟ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ التَّمْلِيكُ فِي الْعُمْرَى يَتَوَجَّهُ إلَى الرِّقْبَةِ، وَفِي الرِّقْبَةِ إلَى الْمَنْفَعَةِ، وَعَنْهُمْ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ

وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا وَيُطْلِقُ، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُؤَبَّدَةِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ، وَبِذَلِكَ قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالنَّاصِرُ وَمَالِكٌ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَةُ عِنْدَهُمْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُؤَبَّدَةِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهَا تَكُونُ عَارِيَّةً تَرْجِعُ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى الْمَالِكِ وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ فَإِذَا مِتَّ رَجَعَتْ إلَيَّ، فَهَذِهِ عَارِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُعِيرِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيُلْغَى، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْأَخِيرِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي أَعْطَى أُمَّهُ الْحَدِيقَةَ حَيَاتَهَا أَنْ لَا تَرْجِعَ إلَيْهِ بَلْ تَكُونُ لِوَرَثَتِهَا» وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَبْلَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْعُمْرَى مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّهَا لِمَنْ أُعْطِيهَا» وَيُعَارِضُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>