. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَالْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ: مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِأَجْلِهِ، وَهُوَ جَوَازُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ زَوْجِهَا أَوْ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهَا كَالثُّلُثِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْقِصَّةِ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ أَزْوَاجَهُنَّ كَانُوا حُضُورًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَوْ نُقِلَ فَلَيْسَ فِيهِ تَسْلِيمُ أَزْوَاجِهِنَّ لَهُنَّ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِإِسْقَاطِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْقَوْمَ صَرَّحُوا بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ دَوَافِعِ الْعَذَابِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ عَلَّلَ بِأَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ لِمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: بَذْلُ النَّصِيحَةِ وَالْإِغْلَاطُ بِهَا لِمَنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَمِنْهَا: جَوَازُ طَلَبِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِلْمُحْتَاجِينَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ وَمِنْهَا: مَشْرُوعِيَّةُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَعْلِيمِهِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَتَذْكِيرِهِنَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَحَثِّهِنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَتَخْصِيصِهِنَّ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ مُنْفَرِدٍ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ وَالْمَفْسَدَةُ.
٢٤٩٩ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ: «لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ) الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَحَدِيثُهُ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ وَقَدْ صَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ، وَمِنْ دُونِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَفِي الْبَابِ عَنْ خَيْرَةَ امْرَأَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: (أَمْرٌ) أَيْ عَطِيَّةٌ مِنْ الْعَطَايَا، وَلَعَلَّهُ عَدَلَ عَنْ الْعَطِيَّةِ إلَى الْأَمْرِ لِمَا بَيْنَ لَفْظِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرِ مِنْ الْجِنَاسِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ عَطِيَّةً مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَلَوْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا فِي الثُّلُثِ وَلَا فِيمَا دُونَهُ إلَّا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ وَمَالِكٌ: إنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مَالَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الثُّلُثِ لَا فِيمَا فَوْقَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً، فَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَدِلَّةُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ انْتَهَى، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ ذَكَرَهَا فِي بَابِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute