٢٥٢١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ أَوْ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَمَا وَأَبِيك لَتُفْتَأَنَّ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ شَحِيحٌ صَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَلَا تَمَهَّلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)
ــ
[نيل الأوطار]
وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ عَائِشَةَ لِلْوَصِيَّةِ حَالَ الْمَوْتِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا أَقَامَ الْبُرْهَانَ الصَّحِيحَ مَنْ يَدَّعِي الْوِصَايَةَ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ قُبِلَ.
قَوْلُهُ: (مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ) اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ، وَخَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ قَالَ الْحَافِظُ: وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْطِ الْمَشْهُودِ بِهِ، قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ " أَيْ بِشَرْطِهَا وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: إضْمَارُ الْإِشْهَادِ فِيهِ بَعْدُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: ١٠٦] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذِكْرُ الْكِتَابَةِ مُبَالَغَةٌ فِي زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً اهـ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْأَدِلَّةَ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ فِي الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا عَلَى رِسَالَةِ الْجَلَالِ فِي الْهِلَالِ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ
قَوْلُهُ: (أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ أَوْ أَعْظَمُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَفْضَلُ " وَفِي أُخْرَى لَهُ " أَعْظَمُ " قَوْلُهُ: (لَتُفْتَأَنَّ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا فَوْقِيَّةٌ أَيْضًا ثُمَّ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ وَهُوَ مِنْ الْفُتْيَا، وَفِي نُسْخَةٍ " لَتُنَبَّأَنَّ " بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ مِنْ النَّبَأِ قَوْلُهُ: (أَنْ تَصَدَّقَ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ وَأَصْلُهُ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَالتَّشْدِيدُ عَلَى الْإِدْغَامِ
قَوْلُهُ: (شَحِيحٌ) قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى: الشُّحُّ: بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: الشُّحُّ مُثَلَّثُ الشِّينِ وَالضَّمُّ أَوْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ: كَأَنَّ الْفَتْحَ فِي الْمَصْدَرِ وَالضَّمَّ فِي الِاسْمِ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فِيهِ أَنَّ الْمَرَضَ يُقَصِّرُ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ بَعْضِ مِلْكِهِ، وَأَنَّ سَخَاوَتَهُ بِالْمَالِ فِي مَرَضِهِ لَا تَمْحُو عَنْهُ سِمَةَ الْبُخْلِ، فَلِذَلِكَ شَرَطَ صِحَّةَ الْبَدَنِ فِي الشُّحِّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَتَيْنِ يَجِدُ لِلْمَالِ وَقْعًا فِي قَلْبِهِ لِمَا يَأْمُلُهُ مِنْ الْبَقَاءِ فَيُحْذَرُ مَعَهُ الْفَقْرَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: لَمَّا كَانَ الشُّحُّ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ فَالسَّمَاحُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ أَصْدَقُ فِي النِّيَّةِ وَأَعْظَمُ لِلْأَجْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute