. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
بِهَا غَيْرُهُ فَلَا وُجُوبَ قَالَ: وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً.
وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً فِيمَنْ رَجَا مِنْهَا كَثْرَةَ الْأَجْرِ، وَمَكْرُوهَةً فِي عَكْسِهِ، وَمُبَاحَةً فِيمَنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ، وَمُحَرَّمَةً فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا إضْرَارٌ كَمَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ " رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مَرْفُوعًا وَرِجَالُهُ ثِقَات وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ بِمَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى وَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى وَقَدْ مَاتَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي؟» وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوصِ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ الْحَافِظُ: بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِيهِ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ فِي آخِرِهِ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُوصِ» .
قَالُوا: وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْيُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِلَافَةِ لَا مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَصِيَّةُ بِعِدَّةِ أُمُورٍ، «كَأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ بِإِنْفَاقِ الذُّهَيْبَةِ» كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِهَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ سَعْدٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَفِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ «لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِثَلَاثٍ لِكُلٍّ مِنْ الدَّارِيِّينَ وَالرَّهَاوِيِّينَ وَالْأَشْعَرِيِّينَ بِجَادِ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَأَنْ يَنْفُذَ بَعْثُ أُسَامَةَ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَأُوصِي بِثَلَاثٍ: أَنْ يُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْت أُجِيزُهُمْ» الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَنَسٍ: «كَانَتْ غَايَةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ أَوْرَدَ مِنْهَا صَاحِبُ الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا شَطْرًا صَالِحًا.
وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا عَلَى تَوْجِيهِ نَفْيِ مَنْ نَفَى الْوَصِيَّةَ مُطْلَقًا إلَى الْخِلَافَةِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ: «مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ» وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْهَدْ إلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا» الْحَدِيثُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَانَتْ الشِّيعَةُ قَدْ وَضَعُوا أَحَادِيثَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى بِالْخِلَافَةِ لِعَلِيٍّ، فَرَدَّ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ مَا اسْتَدَلَّتْ بِهِ عَائِشَةُ، يَعْنِي الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلَا بَعْدَ أَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ وَلَا ذَكَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ، وَهَؤُلَاءِ يَنْتَقِصُونَ عَلِيًّا مِنْ حَيْثُ قَصَدُوا تَعْظِيمَهُ، لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ مَعَ شَجَاعَتِهِ الْعُظْمَى وَصَلَابَتِهِ إلَى الْمُدَاهَنَةِ وَالتَّقَيُّدِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ طَلَبِ حَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute