للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الصَّحَابَةِ مَرْفُوعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِيهِ عَنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ أَسْمَاءَ مَنْ رَوَاهُ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَكَانُوا ثَمَانِينَ صَحَابِيًّا. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْهُمْ جَمَاعَةً. وَقَدْ نُسِبَ الْقَوْلُ بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ إلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ إنْكَارِ الْمَسْحِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَثْبُتُ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إنْكَارِ الْمَسْحِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ الْقَوْلَ بِالْمَسْحِ.

وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: سَبَقَ الْكِتَابُ الْخُفَّيْنِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ.

وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ الْقَوْلَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَأَنْ أَقْطَعَ رِجْلَيَّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، فَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَأَمَّا الْقِصَّةُ الَّتِي سَاقَهَا الْأَمِيرُ الْحُسَيْنُ فِي الشِّفَاءِ وَفِيهَا الْمُرَاجَعَةُ الطَّوِيلَةُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ، وَاسْتِشْهَادُ عَلِيٍّ لِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَشَهِدُوا بِأَنَّ الْمَسْحَ كَانَ قَبْلَ الْمَائِدَةِ.

قَالَ ابْنُ بَهْرَانَ: لَمْ أَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَيَدُلُّ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْإِمَامَ الْمَهْدِيَّ نَسَبَ الْقَوْلَ بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِي الْبَحْرِ إلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ جَمِيعًا وَالْإِمَامِيَّةُ وَالْخَوَارِجُ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ عَلَّمَهُ: (وَاغْسِلْ رِجْلَك) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْحَ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ غَسْلِهِمَا: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ مِنْ دُونِهِ» وَقَوْلُهُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» قَالُوا: وَالْأَخْبَارُ بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِالْمَائِدَةِ.

وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا الْآيَةُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْحُ بَعْدَهَا كَمَا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ. وَأَمَّا حَدِيثُ (وَاغْسِلْ رِجْلَك) فَغَايَةُ مَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالْقَصْرِ، وَلَوْ سَلِمَ وُجُودُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مُخَصَّصًا بِأَحَادِيثِ الْمَسْحِ الْمُتَوَاتِرَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ بِدُونِهِ» فَلَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ مَعَ أَنَّا لَمْ نَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» فَهُوَ وَعِيدٌ لِمَنْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُمَا، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَإِنْ قُلْت: هُوَ عَامٌّ فَلَا يُقْصَرُ عَلَى السَّبَبِ. قُلْت: لَا نُسَلِّمُ شُمُولَهُ لِمَنْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَدَعُ رِجْلَهُ كُلَّهَا، وَلَا يَدَعُ الْعَقِبَ فَقَطْ. سَلَّمْنَا فَأَحَادِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُخَصِّصَةً لِلْمَاسِحِ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ. وَأَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ مُطْلَقًا بِاعْتِبَارِ حَالَتَيْ لُبْسِ الْخُفِّ وَعَدَمِهِ، فَتَكُونُ أَحَادِيثُ الْخُفَّيْنِ مُخَصِّصَةً أَوْ مُقَيِّدَةً فَلَا نَسْخَ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ رُجْحَانُ الْقَوْلِ بِبِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ، فَلَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ تَأَخُّرِ الْآيَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الْمَسْحِ بَعْدَهَا. وَحَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>