للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: (الزَّانِي الْمَجْلُودُ. . . إلَخْ) هَذَا الْوَصْفُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ بِاعْتِبَارِ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَى وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَى، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ فِي آخِرِهَا: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ

قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: اخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] هَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ الذَّمِّ أَوْ مَخْرَجَ التَّحْرِيمِ، وَهَلِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ إلَى الزِّنَى أَوْ إلَى النِّكَاحِ؟ قَالَ: وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الذَّمِّ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْعِتْرَةِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهَا لَا تُحَرِّمُ الْمَرْأَةَ عَلَى مَنْ زَنَى بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ الْحَرَامُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ مَنْ زَنَى بِهَا وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ وَأَحْمَدَ إلَّا إذَا تَابَا لِارْتِفَاعِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْآيَةِ الزَّانِيَ الْمُشْرِكَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ مُشْرِكَةً قَالَ: وَهِيَ تُحَرَّمُ عَلَى الْفَاسِقِ الْمُسْلِمِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَرَادَ أَيْضًا الزَّانِيَةَ الْمُشْرِكَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ مُشْرِكٌ وَهُوَ يُحَرَّمُ عَلَى الْفَاسِقَةِ الْمُسْلِمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ: الْمُشْرِكُ الزَّانِي وَالْمُشْرِكَةُ الزَّانِيَةُ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ فَائِدَةِ الْآيَةِ، إذْ مَنْعُ النِّكَاحِ مَعَ الشِّرْكِ وَالزِّنَى حَاصِلٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَيَسْتَلْزِمُ أَيْضًا امْتِنَاعَ عَطْفِ الْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكَةِ عَلَى الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ، إذْ قَدْ أَلْغَى خُصُوصِيَّةَ الزِّنَى، وَأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فَهُوَ إمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ تَعَالَى وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ، ثُمَّ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ فَقَالَ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] وَأَمَّا جَعْلُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: وَحُرِّمَ ذَلِكَ إلَى الزِّنَى فَضَعِيفٌ جِدًّا، إذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ: الزَّانِي لَا يَزْنِي إلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ

وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْهُ الْقُرْآنُ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَانِ فَإِنَّهُمَا فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى نِكَاحِ الزَّوْجَةِ الزَّانِيَةِ، وَالْآيَةُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى نِكَاحِ مَنْ زَنَتْ وَهِيَ تَحْتَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>