. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
سَاقَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ، فَإِنَّ أَزْهَرَ بْنَ مَرْوَانَ وَالْقَاسِمَ الشَّيْبَانِيَّ صَدُوقَانِ
، فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ لَوْ صَلُحَ السُّجُودُ لِبَشَرٍ لَأُمِرَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَيُؤَيِّدُ أَحَادِيثَ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ، فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: إنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَك، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ» وَفِي إسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ.
قَوْلُهُ: (دَخَلَتْ الْجَنَّةَ) فِيهِ التَّرْغِيبُ الْعَظِيمُ إلَى طَاعَةِ الزَّوْجِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْجَنَّةِ. قَوْلُهُ: (إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ) قَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْفِرَاشَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» أَيْ لِمَنْ يَطَأُ فِي الْفِرَاشِ، وَالْكِنَايَةُ عَنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَحْيَا مِنْهَا كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ اللَّعْنِ بِمَا إذَا وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ لَيْلًا لِقَوْلِهِ: " حَتَّى تُصْبِحَ " وَكَأَنَّ السِّرَّ فِيهِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِي النَّهَارِ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّيْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ وَلَا تَصْعَدُ لَهُمْ إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ، وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى» فَهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ تَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
قَوْلُهُ: (فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا) الْمَعْصِيَةُ مِنْهَا تَتَحَقَّقُ بِسَبَبِ الْغَضَبِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَغْضَبْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الْمَعْصِيَةُ مُتَحَقِّقَةً إمَّا لِأَنَّهُ عَذَرَهَا، وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا " وَلَيْسَ لَفْظُ الْمُفَاعِلَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي هُجِرَتْ، وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الْمُفَاعِلَةِ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ الْفِعْلِ، وَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهَا اللَّوْمُ إلَّا إذَا بَدَأَتْ هِيَ بِالْهَجْرِ فَغَضِبَ هُوَ لِذَلِكَ أَوْ هَجَرَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَلَمْ تَتَنَصَّلْ مِنْ ذَنْبِهَا وَهِجْرَتِهِ. أَمَّا لَوْ بَدَأَ هُوَ بِهَجْرِهَا ظَالِمًا لَهَا فَلَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً ". قَوْلُهُ: (لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " حَتَّى تَرْجِعَ "
وَهُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، قَالَ: وَالْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «اثْنَانِ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute