للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

رُءُوسَهُمَا عَبْدٌ آبِقٌ، وَامْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا حَتَّى تَرْجِعَ» قَالَ فِي الْفَتْحِ حَاكِيًا عَنْ الْمُهَلَّبِ: وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِرْهَابِ لِئَلَّا يُوَاقِعَ الْفِعْلَ، فَإِذَا وَاقَعَهُ فَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْهِدَايَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ هَذَا التَّقْيِيدُ مُسْتَفَادًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى. قَالَ: وَقَدْ ارْتَضَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُهَلَّبُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي مَنَعَ اللَّعْنَ أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ: وَهُوَ الْإِبْعَادُ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ أَنْ يُدْعَى بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ بَلْ يُطْلَبُ لَهُ الْهِدَايَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ " وَاَلَّذِي أَجَازَهُ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيَّ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّبِّ. قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرْتَدِعُ الْعَاصِي بِهِ وَيَنْزَجِرُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَدْعُو عَلَى الْمُغَاضِبَةِ لِزَوْجِهَا الْمُمْتَنِعَةِ مِنْ إجَابَتِهِ إلَى فِرَاشِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا تَدْعُو عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الدُّعَاءُ عَلَى فَاعِلِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْخَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَذَاكَ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ كَمَا فَعَلَ أَيْضًا فِي الْفَتْحِ فَفَاسِدٌ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَةِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاصِيَةِ لَا تَلْعَنُهَا الْمَلَائِكَةُ، فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ الْمُطِيعَةَ تَدْعُو لَهَا الْمَلَائِكَةُ، بَلْ مِنْ أَيْنَ أَنَّ كُلَّ صَاحِبِ طَاعَةٍ يَدْعُونَ لَهُ، نَعَمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: ٧] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْخَاصِّ.

وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَهَلْ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي تَلْعَنُهَا هُمْ الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ؟ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلًا بِذَلِكَ. وَيُرْشِدُ إلَى التَّعْمِيمِ مَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ سُكَّانُهَا وَإِخْبَارُ الشَّارِعِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا لَعْنَ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ يَدُلُّ أَعْظَمَ دَلَالَةٍ عَلَى تَأَكُّدِ وُجُوبِ طَاعَةِ الزَّوْجِ وَتَحْرِيمِ عِصْيَانِهِ وَمُغَاضَبَتِهِ.

قَوْلُهُ: (قُرْحَةً) أَيْ جُرْحٌ. قَوْلُهُ: (تَنْبَجِسُ) بِالْجِيمِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: بَجَسَ الْمَاءَ وَالْجُرْحَ يَبْجُسُهُ: شَقَّهُ، قَالَ: وَبَجَّسَهُ تَبْجِيسًا: فَجَّرَهُ فَانْبَجَسَ وَتَبَجَّسَ قَوْلُهُ: (بِالْقَيْحِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَيْحُ: الْمِدَّةُ لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ، قَاحَ الْجُرْحُ يَقِيحُ كَقَاحَ يَقُوحُ. وَالصَّدِيدُ: مَاءُ الْجُرْحِ الرَّقِيقِ، عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (نَوْلُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ: أَيْ حَظُّهَا وَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَفْعَلَ. وَالنَّوْلُ: الْعَطَاءُ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (لِأَسَاقِفَتِهِمْ) الْأُسْقُفُ مِنْ النَّصَارَى: الْعَالِمُ الرَّئِيسُ. وَالْبِطْرِيقُ: الرَّجُلُ الْعَظِيمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ سَجَدَ جَاهِلًا لِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يُكَفَّرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>