بَابُ نَهْيِ الْمُسَافِرِ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ بِقُدُومِهِ لَيْلًا
ــ
[نيل الأوطار]
وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مُطْلَقًا. فَأَخْرُجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ إيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِمُوَحِّدَتَيْنِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «لَا تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَضَرَبُوهُنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ» وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد، «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» . وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَآخَرُ مُرْسَلٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
وَذَئِرَ النِّسَاءُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ: أَيْ نَشَزْنَ، وَقِيلَ: عَصَيْنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ، يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] ثُمَّ أَذِنَ بَعْدَ نُزُولِهَا فِيهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَهَا تَأْدِيبًا إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ طَاعَتُهُ، فَإِنْ اكْتَفَى بِالتَّهْدِيدِ وَنَحْوِهِ كَانَ أَفْضَلَ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَى الْغَرَضِ بِالْإِيهَامِ لَا يَعْدِلُ إلَى الْفِعْلِ لِمَا فِي وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ النُّفْرَةِ الْمُضَادَّةِ لِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الزَّوْجِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً لَهُ وَلَا خَادِمًا قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ» .
فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلَةِ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُسْأَلْ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ» . قَوْلُهُ: (فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِرِضَا الزَّوْجِ، أَمَّا لَوْ عَلِمَتْ رِضَاهُ بِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا، كَمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِإِدْخَالِ الضِّيفَانِ مَوْضِعًا مُعَدًّا لَهُمْ فَيَجُوزُ إدْخَالُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَلَا يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى الْإِذْنِ مِنْ الزَّوْجِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «وَلَا يَأْذَنَّ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ الْوَجْهِ عِنْدَ التَّأْدِيبِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُقَبِّحْ) أَيْ لَا تَقُلْ لِامْرَأَتِكَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا رَابَهُ مِنْهَا أَمْرٌ فَيَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ وَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهَا إلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ يُحَوِّلُهَا إلَيْهَا، وَلَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَجَرَ نِسَاءَهُ وَخَرَجَ إلَى مَشْرُبَةٍ لَهُ» . قَوْلُهُ: (وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ أَنْ يُخَوِّفَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ الْوُقُوعَ فِيمَا لَا يَلِيقُ، وَلَا يُكْثِرُ تَأْنِيسَهُمْ وَمُدَاعَبَتَهُمْ، فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَيَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِهِمْ لِلْآدَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَتَخَلُّقِهِمْ بِالْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ.
قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute