حَلَالٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ. فَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَلَالٌ فَأَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا. وَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَرَامٌ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، أَوْ يُطَلِّقَهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ لَا يَدْرِي اشْتَمَلَ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لَا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) ..
ــ
[نيل الأوطار]
قَوْلُهُ: (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) اسْمُهَا آمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ، كَمَا حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَابْنُ بَاطِشٍ: وَغِفَارٌ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ اسْمَهَا النَّوَارُ
قَوْلُهُ: (وَهِيَ حَائِضٌ) فِي رِوَايَةٍ «وَهِيَ فِي دَمِهَا حَائِضٌ» وَفِي أُخْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ «أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَيْضِهَا» . قَوْلُهُ: (فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سُؤَالُ عُمَرَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَرَوْا قَبْلَهَا مِثْلَهَا فَسَأَلَهُ لِيَعْلَمَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا رَأَى فِي الْقُرْآنِ {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ فَجَاءَ لِيَسْأَلَ عَنْ الْحُكْمِ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ: مُرْهُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْخِلَافُ فِيهَا مَشْهُورٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ غَالِطٌ فَإِنَّ الْقَرِينَةَ وَاضِحَةٌ فِي أَنَّ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْكَائِنَةِ كَانَ مَأْمُورًا بِالتَّبْلِيغِ، وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ «فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا» إلَى آخِرِ كَلَامِ صَاحِبِ الْفَتْحِ. وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَتَكُونُ مُرَاجَعَةُ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَاجِبَةً. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: الِاسْتِحْبَابُ فَقَطْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ، فَاسْتِدَامَتُهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَالْحُجَّةُ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وُرُودُ الْأَمْرِ بِهَا وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْحَيْضِ كَانَتْ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فِيهِ وَاجِبَةً.
١ -
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ. وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ، وَالِاتِّفَاقُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّهَا فِيهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ. وَتَعَقَّبَ الْحَافِظُ ذَلِكَ بِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهِ كَمَا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الطَّلَاقِ حَالَ الطُّهْرِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى الْمَنْعِ. وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْقَاسِمِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَوَازِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَنْعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَبِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ، فَإِذَا طَهُرَتْ زَالَ مُوجِبُ التَّحْرِيمِ فَجَازَ الطَّلَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute