. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَمَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَطْهَارِ. وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ: «ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ. . .» إلَخْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا اغْتَسَلَتْ» . . . إلَخْ قَوْلُهُ: (فَتَغَيَّظَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَغَيَّظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِي الْمَنْعَ كَانَ ظَاهِرًا فَكَانَ مُقْتَضَى الْحَالِ التَّثَبُّتَ فِي ذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الْحَالِ مُشَاوَرَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُمْسِكْهَا) أَيْ يَسْتَمِرُّ بِهَا فِي عِصْمَتِهِ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «ثُمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا» قَالَ الشَّافِعِيُّ: غَيْرُ نَافِعٍ إنَّمَا رَوَى «حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَالِمٌ قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ: لَكِنْ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ نَافِعٍ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُد، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ حَافِظًا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْإِمْسَاكِ كَذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ: أَيْ بِمَا فِي رِوَايَةِ نَافِعٍ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا بِطُهْرٍ تَامٍّ ثُمَّ حَيْضٍ تَامٍّ لِيَكُونَ تَطْلِيقُهَا وَهِيَ تَعْلَمُ عِدَّتَهَا إمَّا بِحَمْلٍ أَوْ بِحَيْضٍ، أَوْ لِيَكُونَ تَطْلِيقُهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَمْلِ وَهُوَ غَيْرُ جَاهِلٍ بِمَا صَنَعَ أَوْ لِيَرْغَبَ فِي الْحَمْلِ إذَا انْكَشَفَتْ حَامِلًا فَيُمْسِكَهَا لِأَجْلِهِ. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا تَصِيرَ الرَّجْعَةُ لِغَرَضِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا أَمْسَكَهَا زَمَانًا يَحِلُّ لَهُ فِيهِ طَلَاقُهَا ظَهَرَتْ فَائِدَةُ الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَطُولُ مُقَامُهُ مَعَهَا فَيُجَامِعُهَا فَيَذْهَبُ مَا فِي نَفْسِهِ فَيُمْسِكُهَا.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا) اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ حَرَامٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ، وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ كَمَا يُجْبَرُ إذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا، قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ الْإِجْبَارُ إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ لَا إذَا طَلَّقَ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ. وَقَالَ دَاوُد: يُجْبَرُ إذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا لَا إذَا طَلَّقَهَا نُفَسَاءَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: " طَاهِرًا " هَلْ الْمُرَادُ انْقِطَاعُ دَمٍ. أَوْ التَّطَهُّرُ بِالْغُسْلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالرَّاجِحُ الثَّانِي لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: «مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلْيُمْسِكْهَا» وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ: " فَإِذَا طَهُرَتْ " فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ: «أَوْ حَامِلًا» مَنْ قَالَ بِأَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ سُنِّيٌّ وَهُمْ الْجُمْهُورُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ.
١ -
قَوْلُهُ: (فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْحُسْبَانِ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ» . وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ كَذَلِكَ، وَزَادَ: يَعْنِي حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute