. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الطَّلَاقَ الْبِدْعِيَّ يَقَعُ، وَهُمْ الْجُمْهُورُ. وَذَهَبَ الْبَاقِرُ وَالصَّادِقُ وَابْنُ حَزْمٍ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ يَعْنِي إبْرَاهِيمَ بْنَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ. قَالَ: وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهُوَ شُذُوذٌ. وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ: بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَنْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ: أُمِرْنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْحَافِظُ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: أُمِرْنَا بِكَذَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ حَيْثُ يَكُونُ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ تَصْرِيحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ هَذِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْآمِرُ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَهُوَ الْمُرْشِدُ لِابْنِ عُمَرَ فِيمَا يَفْعَلُ إذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ حُسِبَ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيدًا جِدًّا مَعَ احْتِفَافِ الْقَرَائِنِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِذَلِكَ، وَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَفْعَلُ فِي الْقِصَّةِ شَيْئًا بِرَأْيِهِ وَهُوَ يَنْقُلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَغَيَّظَ مِنْ صُنْعِهِ حَيْثُ لَمْ يُشَاوِرْهُ فِيمَا يَفْعَلُ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَقَدْ أَوَرَدَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فَأَجَابَهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: " هِيَ وَاحِدَةٌ " لَعَلَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَلْزَمَهُ بِأَنَّهُ نَقَضَ أَصْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُدْفَعُ بِالِاحْتِمَالِ
وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَقَالَهُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: " هِيَ وَاحِدَةٌ " ابْنُ وَهْبٍ، مِنْ عِنْدِهِ أَمْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَمْ نَافِعٌ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ لَا يَدْفَعُ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَلَ مِنْ الرَّفْعِ، وَلَوْ فَتَحْنَا بَابَ دَفْعِ الْأَدِلَّةِ بِمِثْلِ هَذَا مَا سَلِمَ لَنَا حَدِيثٌ، فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ الْمُعَارَضَةُ لِذَلِكَ بِمَا سَيَأْتِي. وَمِنْ حُجَجِ الْجُمْهُورِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَحْتَسِبُ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَرِجَالُهُ إلَى شُعْبَةَ ثِقَاتٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ، وَشُعْبَةُ رَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَاجَعَهَا " فَإِنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ طَلَاقٍ. وَأَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ وَقَعَتْ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا بِمَعْنَى النِّكَاحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: ٢٣٠] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُطَلِّقَ هَهُنَا هُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي، وَأَنَّ التَّرَاجُعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ
وَثَانِيهَا: الرَّدُّ الْحَسَنُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا أَوَّلًا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ لَمَّا أَنْحَلَ ابْنَهُ غُلَامًا خَصَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute