للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

بِهِ دُونَ وَلَدِهِ: " أَرْجِعْهُ " أَيْ رُدَّهُ، فَهَذَا رَدُّ مَا لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْهِبَةُ الْجَائِزَةُ. وَالثَّالِثُ الرَّجْعَةُ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَ يُوجِبُ سُقُوطَ الِاسْتِدْلَالِ، وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ حَمْلَ الرَّجْعَةِ هُنَا عَلَى الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: عَصَيْت رَبَّكَ وَفَارَقْت امْرَأَتَكَ، قَالَ: «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: إنَّهُ أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِطَلَاقٍ بَقِيَ لَهُ، وَأَنْتَ لَمْ تُبْقِ مَا تَرْتَجِعُ بِهِ امْرَأَتَكَ»

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا السِّيَاقِ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَمَلَ الرَّجْعَةَ فِي قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى فَرْضِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ فَهْمِ ابْنِ عُمَرَ لَا يَكُونُ حُجَّةً. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى الرَّجْعَةِ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِيهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا. وَمِنْ حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا» .

قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ: كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا» الْحَدِيثَ، فَهَؤُلَاءِ رِجَالٌ ثِقَاتٌ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِمُخَالَفَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ لِسَائِرِ الْحُفَّاظِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ وَأَحَادِيثُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُهُ: «وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا» مُنْكَرٌ، لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ، فَكَيْفَ إذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ؟ وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا مُسْتَقِيمًا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى السُّنَّةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا.

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ، أَوْ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا جَائِزًا فِي السُّنَّةِ مَاضِيًا فِي الِاخْتِيَارِ. وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ غَيْرُ مَدْفُوعٍ فِي الْحِفْظِ وَالْعَدَالَةِ وَإِنَّمَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِهِ، فَإِذَا قَالَ: سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنِي زَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>