للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

..

....

....

....

..

ــ

[نيل الأوطار]

صَرَّحَ هُنَا بِالسَّمَاعِ وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزُّبَيْرِ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ، وَيُقَالُ: قَدْ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُ، بَلْ غَايَةُ مَا هُنَاكَ الْأَمْرُ بِالْمُرَاجَعَةِ عَلَى فَرْضِ اسْتِلْزَامِهِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقَدْ عُرِفَ انْدِفَاعُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ ذَلِكَ الِاسْتِلْزَامُ لَمْ يَصْلُحْ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ الصَّرِيحِ، أَعْنِي " وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا " عَلَى أَنَّهُ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى بِسَنَدِهِ الْمُتَّصِلِ إلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ " وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا " فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ رَوَى زِيَادَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ الْتَزَمَ أَلَّا يَذْكُرَ فِيهِ إلَّا مَا كَانَ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِهِمَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: إنَّهُ تَابَعَ أَبَا الزُّبَيْرِ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حَسَنَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ الِاعْتِدَادِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِذَا صِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِنَاءً عَلَى تَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَرِوَايَةُ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ أَرْجَحُ لِمَا سَلَفَ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَنْ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ بَعْضِ الثِّقَاتِ، وَقَدْ رَجَّحَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ بِمُرَجِّحَاتٍ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَالْمُطَلِّقُ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ الطُّهْرِ الَّذِي وَطِئَ فِيهِ لَمْ يُطَلِّقْ لِتِلْكَ الْعِدَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِتَطْلِيقِ النِّسَاءِ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ نَهْيًا لِذَاتِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ أَوْ لِوَصْفِهِ اللَّازِمِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَالْفَاسِدُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ. وَمِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَلَا أَقْبَحَ مِنْ التَّسْرِيحِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَأْذُونَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ لِمَا فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ الصِّيغَةِ الصَّالِحَةِ لِلْحَصْرِ، أَعْنِي تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ شَامِلٌ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِمَا عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَسْأَلَةُ النِّزَاعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُشْرِعْ هَذَا الطَّلَاقَ وَلَا أَذِنَ فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْعِهِ وَأَمْرِهِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ، أَعْنِي عَدَمَ وُقُوعِ الْبِدْعِيِّ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الْهَدْيِ، وَالْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ وَأَلَّفَ فِيهَا رِسَالَةً طَوِيلَةً فِي مِقْدَارِ كُرَّاسَتَيْنِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>