. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فِي بَحْثٍ لَهُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا، يَعْنِي الزَّيْدِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ ذَكَرَهَا. وَأَجَابَ عَنْهَا بِوُجُوهٍ حَاصِلُهَا أَنَّهَا مَقْطُوعَةُ الْأَسَانِيدِ، وَأَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِمَا هُوَ أَرْجَحُ، وَأَنَّ أَهْلَ الصِّحَاحِ لَمْ يَذْكُرُوهَا
وَإِذَا تَقَرَّرَ لَك رُجْحَانُ كَوْنِهِ فَسْخًا، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلسُّنَّةِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْحَيْضِ، وَيَقُولُ بِوُقُوعِهِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْأَزْوَاجِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ عَدَمُ اسْتِفْصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ لِسَبْقِ الْعِلْمِ بِهِ. وَقَدْ اشْتَرَطَ فِي الْخُلْعِ نُشُوزَ الزَّوْجَةِ الْهَادَوِيَّةُ. وَقَالَ دَاوُد وَالْجُمْهُورُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ اشْتَرَتْ الطَّلَاقَ بِمَالِهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ فِيهِ الرَّجْعَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ: إنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، هُوَ طِيبُ الْمَالِ لِلزَّوْجِ لَا الْخُلْعُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ السِّيَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩]
قَوْلُهُ: (أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا) اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعِوَضَ مِنْ الزَّوْجَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا دَفَعَ إلَيْهَا الزَّوْجُ لَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا وَلَا يَزْدَادَ» وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ " وَلَا يَزْدَادَ " وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ «وَكَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى» ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ: وَوَصَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، يَعْنِي: الصَّوَابُ إرْسَالُهُ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يُعْتَضَدُ مُرْسَلُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إنَّهُ سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَيُعْتَضَدُ بِمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْهَادَوِيَّةِ. وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى لَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا لِيَدَعْ لَهَا شَيْئًا. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخَالِعَ الْمَرْأَةَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ قَالَتْ: " كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّي كَلَامٌ وَكَانَ زَوْجَهَا، قَالَتْ: فَقُلْت لَهُ: لَك كُلُّ شَيْءٍ وَفَارِقْنِي، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَأَخَذَ وَاَللَّهِ كُلَّ فِرَاشِي، فَجِئْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: الشَّرْطُ أَمْلَكُ، خُذْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى عِقَاصَ رَأْسِهَا " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَجَازَ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا
وَرَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute