٢٨٨٥ - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَلَا عَلَى رَجِعَتِهَا، فَقَالَ: طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا وَلَا تَعُدْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يَقُلْ: " وَلَا تَعُدْ ") .
ــ
[نيل الأوطار]
الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ مُرَاجَعَةُ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ اثْنَتَيْنِ كَذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَلَوْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الرَّجُلُ مُرَاجِعًا، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا جَامَعَهَا فَقَدْ رَاجَعَهَا. وَمِثْلُهُ أَيْضًا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الرَّجْعَةَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَزَادُوا: وَلَوْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْكَلَامِ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِمَامُ يَحْيَى، وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُدَّةُ خِيَارٍ، وَالِاخْتِيَارُ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» أَنَّهَا تَجُوزُ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ قَوْلًا مِنْ فِعْلٍ، وَمَنْ ادَّعَى الِاخْتِصَاصَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَمَالِكٍ أَنَّ الرَّجْعَةَ بِالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مَحْظُورَةٌ وَإِنْ صَحَّتْ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ فَنَعَمْ لِعَزْمِهِ عَلَى قَبِيحٍ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: بَلْ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: ٦] وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّرَارِ فِي الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَاسِدٌ فَسَادًا يُرَادِفُ الْبُطْلَانَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فَكُلُّ رَجْعَةٍ لَا يُرَادُ بِهَا الْإِصْلَاحُ لَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَاب عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَمْلِكُ مِنْ الطَّلَاقِ لِزَوْجَتِهِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثَ وَمَا فَوْقَهَا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ طَلَّقَ) أَيْ لَمْ يَعْتَدَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِمَا قَدْ وَقَعَ مِنْهُ مِنْ الطَّلَاقِ، بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ أَصْلًا فَيَمْلِكُ ثَلَاثًا كَمَا يَمْلِكُهَا مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّلَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute