. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ مَضَتْ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ " قَوْلُهُ: (وَحَرَّمَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْعَسَلُ. وَقِيلَ: تَحْرِيمُ مَارِيَةَ وَسَيَأْتِي. وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ مَا يُفِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] الْآيَةَ. وَمُدَّةُ إيلَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرٌ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الْإِيلَاءِ، فَقِيلَ: سَبَبُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي بَيَانِهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا قَالُوا: فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا كَانَ إيلَاءً، وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِثْلُهُ. وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مَضَارَّةُ الزَّوْجَةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي دُونِهَا. وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُدَّةُ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمُولِي، فَإِنْ فَاءَ بَعْدهَا وَإِلَّا طَلَّقَ حَتْمًا، لَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ بِدُونِ هَذِهِ الْمُدَّةِ
وَيُؤَيِّدُ مَا قَالُوهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إيلَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَا فِي الْقُرْآنِ بَيَانًا لِمِقْدَارِ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْإِيلَاءُ دُونَهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ. وَأَيْضًا الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، فَالْحَالِفُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مُولٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ سَمَّى أَجَلًا أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُلْزِمَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا اللَّيْلَةَ، فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ أَجْلِ يَمِينِهِ تِلْكَ فَهُوَ إيلَاءٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ
قَوْلُهُ: (فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ) الْفَيْءُ: الرُّجُوعُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ عَنْهُ، قَالَ: الْفَيْءُ: الرُّجُوعُ بِاللِّسَانِ. وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ: الْفَيْءُ: الرُّجُوعُ بِالْقَلْبِ لِمَنْ بِهِ مَانِعٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْجِمَاعِ. وَحَكَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالْفَرِيقَيْنِ. وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْفَيْءُ: الْجِمَاعُ. وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَسْرُوقٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: اخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَا مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْإِيلَاءِ، فَمَنْ خَصَّهُ بِتَرْكِ الْجِمَاعِ قَالَ: لَا يَفِيءُ إلَّا بِفِعْلِ الْجِمَاعِ. وَمَنْ قَالَ: الْإِيلَاءُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute