كِتَابُ اللِّعَانِ
ــ
[نيل الأوطار]
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رَجَّحَ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي إذَا أَرَادَ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ وُقُوعِهِ بِهِ، أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: ١١٦] وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ: فَمَنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ عَيْنِ زَوْجَتِهِ لَمْ تُحَرَّمْ. وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الطَّلَاقِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، وَعَدَمِ جَوَازِهِ بِمَا سِوَاهَا، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: ٢٣٠] مَا يَقْضِي بِانْحِصَارِ الْفُرْقَةِ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ. وَقَدْ وَرَدَ الْإِذْنُ بِمَا عَدَاهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْفُرْقَةِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنَةِ الْجَوْنِ: «الْحَقِي بِأَهْلِك» قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ أَوْقَعَ الصَّحَابَةُ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ حَرَامٌ، وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، وَاخْتَارِي، وَوَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ وَقَدْ خَلَوْت مِنِّي، وَأَنْتِ بَرِيَّةٌ وَقَدْ أَبْرَأْتُك وَأَنْتِ مُبَرَّأَةٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، انْتَهَى. وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: سَرَّحْتُك لَكَفَى فِي إفَادَةِ مَعْنَى الطَّلَاقِ
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى جَوَازِ التَّجَوُّزِ لِعَلَاقَةٍ مَعَ قَرِينَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إلَّا مَا خُصَّ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى امْتِنَاعِهِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ؟ وَأَمَّا إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا غَيْرَ زَوْجَتِهِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ إلَيْهِ تَحْرِيمًا وَلَا تَحْلِيلًا فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ الْوَاقِعُ مِنْهُ لَغْوًا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مِثْلِ هَذَا الشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute